قلت : إنّ النسبة بين العامّ والخاصّ وكذا بين المطلق والمقيّد ، ليست نسبة المزيل والمزال ، وإنّما هي نسبة التفسير على ما حقّق في محلّه ، وكذلك المجمل والمبيّن ، على أنّ الآية ـ من حيث هي آية ـ لا تكون مجملة ، وهو ظاهر.
وظهر بما ذكرنا أيضا معنى عدّة من الروايات المشتملة عليه :
منها : ما في تفسير النعماني عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ بعد عدّ آيات من الناسخ والمنسوخ ، قال ـ عليهالسلام ـ : «ونسخ قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) قوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (٢) أي للرحمة خلقهم ...» ، (٣) الحديث.
فالآية الثانية تثبت حقيقة توجب تحديد الحقيقة التي توجبها الآية الاولى ؛ أعني أنّ العبادة التي هي غاية الخلقة لا تتخلّف عن المغيّى بها ، وهي غير العبادة التشريعيّة التي يوجب تركها الغضب والمقت والنقمة ؛ أي أنّ هناك رحمة غير التي توجبها العبادة التشريعيّة ، هي أشمل منها وأعمّ ، كما قال : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (٤) وليست الآيتان من قبيل العامّ والخاصّ ؛ إذ حكم التخصيص لا يشمل الحقائق وإنّما هو مقصور على التشريعيّات.
ومنها : أيضا ما في تفسير النعماني عنه ـ عليهالسلام ـ قال : «ونسخ قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (٥) قوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ* لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ
__________________
(١). الذاريات (٥١) : ٥٦.
(٢). هود (١١) : ١١٨.
(٣). بحار الأنوار ٩٠ : ١٠.
(٤). الأعراف (٧) : ١٥٦.
(٥). مريم (١٩) : ٧١.