غير أنّه سبحانه ربّما أطلق في كلامه الكلمة ـ بل القول ـ على غير اللفظ من الأعيان الخارجيّة ، كقوله : (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) (١) وقوله : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى). (٢)
ومن هذا الباب قوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣) حيث بيّن بوجه عامّ أنّ أمره إذا أراد شيئا ـ وهو خالق كلّ شيء ـ هو قول : (كُنْ) أي إفاضة الموجود ؛ أي وجود نفس الشيء.
فيشبه أن يكون المراد بالكلمات هاهنا ما هو من قبيل الأعيان الخارجيّة والامور الوجوديّة ، كما يفيده تعلّق الابتلاء بها ، وسيجيء له زيادة توضيح.
على أنّ قوله سبحانه : (فَأَتَمَّهُنَ) أيضا يشهد بذلك.
توضيحه : أنّ الإمتحان ـ كما سمعت ـ إنّما يكون لوصف ؛ بمعنى أنّ المجهول أو المخفيّ ـ الذي يراد بالامتحان العلم به أو ظهوره ـ إنّما يكون وصفا من أوصاف الممتحن بصيغة المفعول ، لا مجرّد الفعل الصادر منه ؛ إذ الفعل الصادر ـ من حيث يجهل هل يصدر أو لا؟ ـ لا يكون مخفيّا ، بل موجودا أو معدوما ، وإنّما يتعلّق العلم والجهل أو الصدور والخفاء في أمر ثابت يتوارد عليه الحالات.
ولذلك أيضا لا يتّصف هذا المعنى بالزيادة والنقصان ، بل بالوجود والعدم ، وكذلك نفس ما به الإمتحان ، وخاصّة في الإبتلاء الذي إنّما يكون عمليّا كما سمعت ، وأمرا مرتبطا بالمبتلي والمبتلى معا.
فتفسير الإتمام في المقام بالعمل والإتيان في غير محلّه ، ولو صحّ فإنّما يصحّ
__________________
(١). آل عمران (٣) : ٤٥.
(٢). الفتح (٤٨) : ٢٦.
(٣). يس (٣٦) : ٨٢.