وهذا المعنى هو الذي يقتضيه نضد هذه الأسماء الخمسة المباركة بعد الحمد ، فهو سبحانه بالوهيّته مبدأ لكلّ خلق وأمر ، وبربوبيّته للعالمين مالكهم ومدبّرهم ، وبأنّه رحمن فيّاض للرحمة على جميع خلقه ، وبأنّه رحيم للمؤمنين خاصّة ، وبملكه يوم الدين حاكم فاصل بين عباده مجاز إيّاهم ، فلا يبقى شأن من شؤون ما سواه إلّا وهو مبدؤه ومصيره ، فله الحمد جميعا.
روي في كشف الغمّة : عن الصادق ـ عليهالسلام ـ : «قال فقد لأبي ـ عليهالسلام ـ بغلة ، فقال ـ عليهالسلام ـ : لئن ردّها الله عليّ لأحمدنّه بمحامد يرضاها ، فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها ، فلمّا استوى وضمّ إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال : الحمد لله ، ولم يزد ، ثمّ قال : ما تركت ولا أبقيت شيئا ، جعلت أنواع المحامد لله عزوجل ، فما من حمد إلّا وهو داخل فيما قلت» ، (١) الحديث.
ثمّ إنّ الظاهر من سياق هذه الآيات وقرينة الالتفات في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٢) أنّ قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إلى آخره ، كلام العبد ، فهو سبحانه يلقي قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ)، بالنيابة عن عبده تأديبا وتعليما لما ليس له بنفسه ، فإنّ الحمد توصيف ، وقد نزّه سبحانه نفسه عمّا يصفه به العباد ، فقال سبحانه : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ* إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٣) ولم يرد في كلامه ما يؤذن بحكاية الحمد عن غيره إلّا قوله لنبيّه نوح [عليهالسلام] : (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، (٤) وقوله في خليله إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ
__________________
(١). كشف الغمّة ٢ : ٣٢٩.
(٢). الفاتحة (١) : ٥.
(٣). الصافّات (٣٧) : ١٥٩ و ١٦٠.
(٤). المؤمنون (٢٣) : ٢٨.