(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ...) (١) الآية.
واعلم : أنّ أصل الكفر هو الستر ؛ كأنّ الكافر يستر على الحقّ ، فهو إذن ذو مراتب ، ولذلك كان بعض مراتبه يجتمع مع بعض مراتب الإيمان ؛ وفي كلامه تعالى من ذلك آيات كثيرة.
وفي الكافي عن الزبيريّ عن الصادق ـ عليهالسلام ـ قال : «قلت له : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله ـ عزوجل ـ قال : الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه : فمنها كفر الجحود ، والجحود على وجهين ، والكفر بترك ما أمر الله ، وكفر البراءة ، وكفر النعم.
فأمّا كفر الجحود فهو الجحود بالربوبيّة ، وهو قول من يقول : لا ربّ ولا جنّة ولا نار ، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم الدهريّة ، وهم الذين يقولون : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (٢) وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان منهم ، ولا تحقيق لشيء ممّا يقولون ؛ قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٣) أنّ ذلك كما يقولون ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يعني بتوحيد الله ، فهذا أحد وجوه الكفر.
وأمّا الوجه الآخر فهو الجحود على معرفة ، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده ؛ وقد قال الله ـ عزوجل ـ : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٤) وقال الله ـ عزوجل ـ : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ
__________________
(١). البقرة (٢) : ٢٦.
(٢). الجاثية (٤٥) : ٢٤.
(٣). البقرة (٢) : ٧٨.
(٤). النمل (٢٧) : ١٤.