وإصلاحاتها في مظنّة الفساد ومصبّ البطلان ، لا تتمّ الحياة فيها إلّا بالحياة النوعيّة ، ولا يكمل البقاء فيها إلّا بالاجتماع والتعاون ، فلا يخلو من فساد وسفك دم ، ففهموا من هناك أنّ الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلّا بكثرة الأفراد ، ونظام اجتماعيّ بينهم يفضي بالأخرة إلى الفساد.
والخلافة ـ وهي قيام شيء مقام آخر ـ لا تتمّ إلّا بكون الخليفة حاكيا بوجوده لوجود المستخلف ، مبديا لآثاره الوجوديّة وأحكامه وتدابيره ، وهو سبحانه بوجوده مسمّى بالأسماء الحسنى ، متّصف بأوصاف الكمال والجمال والجلال ، منزّه في صفاته عن النقص ، وفي أفعاله عن الشرّ والفساد ، جلّت عظمته. والخليفة الأرضي ـ بما هو كذلك ـ لا يليق بالاستخلاف ، ولا يحكي ـ بوجوده المشوب بكلّ نقص وشين ـ الوجود المنزّه المقدّس عن كلّ النقائص والأعدام.
وهذا من الملائكة في مقام تعرّف ما جهلوه ، واستيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة ، وليس بالاعتراض ، والدليل عليه : قولهم فيما حكاه تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) حيث صدّر ب : «إنّ» التعليليّة المشعرة بتسلّم مدخولها ، فافهم.
فملخّص قولهم يعود إلى أنّ جعل الخلافة إنّما هو لأجل أن يحكي الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده ، والأرضيّة لا تدعه يفعل ذلك ، بل تجرّه إلى الفساد والشرّ ، والغاية من هذا الجعل ـ وهي التسبيح والتقديس بالمعنى الذي مرّ من الحكاية ـ موجودة بتسبيحنا بحمدك وتقديسنا لك ، فنحن خلفاؤك ، أو فاجعلنا خلفاء لك ، فأيّ فائدة في جعل هذه الخلافة الأرضيّة؟!
فردّ سبحانه ذلك عليهم بقوله : (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ* وَعَلَّمَ آدَمَ