الْأَسْماءَ ...) الآية وهذا السياق يفيد أنّه سبحانه لم ينف عن خليفة الأرض الفساد ، ولا عن الملائكة دعواهم ، وقرّرهم على ما ادّعوا ، بل إنّما أبدى شيئا آخر ؛ وهو أنّ هناك أمرا لا يقدر الملائكة على تحمّله ، ويقدر عليه الخليفة الأرضي ، فهو يحكي عنه سبحانه أمرا ويتحمّل سرّا ليس في الملائكة.
وقد بدّل سبحانه قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ثانيا بقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ).
وهذا الغيب هو الأسماء ، دون علم آدم بها ؛ فالملائكة ما كانت تعلم أنّ هناك أسماءا لا يعلمونها ، لا أنّهم كانوا يعلمون أنّ هناك أسماءا غير معلومة لكن ما كانوا يعلمون من آدم أنّه يعلمها ؛ وإلّا لما كان لسؤاله تعالى إيّاهم عن الأسماء وجه ، بل كان حقّ المقام أن يقتصر على قوله : (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ ...) إلى آخره ، حتّى يتبيّن لهم أنّ آدم يعلمها ، لا أن يسأل الملائكة عن ذلك ؛ فإنّ هذا السياق يعطي أنّهم ادّعوا الخلافة وأذعنوا انتفاءها عن آدم.
وكان اللازم في الخلافة أن يعلم الخليفة بالأسماء ، فسألهم عن الأسماء فجهلوها ، وعلمها آدم ـ عليهالسلام ـ فثبت لياقته لها وانتفاؤها عنهم ، وقد ذيّل سبحانه السؤال بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وهو يعطي أنّهم ادّعوا شيئا كان لازمه العلم بالأسماء لذلك.
وقوله سبحانه : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ ...)
مشعر بأنّ هذه الأسماء ـ أو أنّ مسمّياتها ـ كانوا موجودات أحياءا عقلاء محجوبين تحت حجاب الغيب ، وأنّ العلم بأسمائهم غير نحو العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء ؛ وإلّا لكانت الملائكة ـ بإنباء آدم إيّاهم بها ـ عالمين بها ،