صائرين مثل آدم مساوين معه ، ولم يكن في ذلك إكرام لآدم ؛ حيث علّمه الله سبحانه أسماءا ولم يعلّمهم ، ولو علّمهم إيّاها كانوا مثل آدم أو أشرف منه ، ولم يكن في ذلك إقناع لهم وإلزام لحجّتهم.
وأيّ حجّة تتمّ في أن يعلّم الله رجلا علم اللغة ، ثمّ يباهي به ويتمّ الحجّة على ملائكة مكرمين ـ لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ـ بأنّ هذا قابل لخلافتي دونكم ، ويقول تعالى لهم : أنبئوني باللغات ـ التي سوف يضعها الآدميّون بينهم للإفهام والتفهيم ـ إن كنتم صادقين في دعواكم أو مسألتكم خلافتي؟!
وأضف إلى ذلك : أنّ كمال اللغة هو المعرفة بمقاصد القلوب ، والملائكة لا تحتاج فيها إلى التكلّم ، وإنّما تتلقّى المقاصد من غير واسطة.
وبالجملة : فما حصل للملائكة من العلم ـ بإنباء آدم لهم بالأسماء ـ من غير حقيقة العلم التي حصلت لآدم بأسمائهم بتعليمه سبحانه ، فأحد الأمرين كان ممكنا في حقّ الملائكة وفي مقدرتهم دون الآخر ، وآدم ـ عليهالسلام ـ إنّما استحقّ الخلافة الإلهيّة بالعلم بالأسماء دون إنبائها ؛ إذ الملائكة إنّما قالوا في الجواب على ما حكاه سبحانه : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) فنفوا العلم دون القدرة على الإنباء ، فافهم.
وظهر ممّا مرّ : أنّ العلم بأسماء هؤلاء المسمّيات يجب أن يكون علما يكشف عن حقائقهم وشؤونهم وخصوصيّات وجودهم ، دون مجرّد ما يتكفّله الوضع اللغوي عندنا من الإشارة إلى مشار إليه معيّن ، مثل ما يكشف معنى قولك : «أنا» عن ذاتك ، فأنت عند مشاهدتك ذاتك تشاهد معنى «أنا» ، وهو إسم من أسماء ذاتك ، فهذا هو الحريّ أن يكون مرادا بالاسم أو داخلا في المراد ، ويكون معه المسمّى مستورا تحت ستر الغيب محفوظا عند الله ـ سبحانه ـ حيث لا وضع ولا