واضعا ايضا مستند الى توهم كون الواضع لجميع الالفاظ لمعانيها شخصا واحدا محيطا بجميع الالفاظ بمعانيها. وهذا التوهم ايضا اوضح فسادا من الأول اذ من الممكن ان من زمن آدم الى زماننا فى كل طبقة اشخاص عديدة واضعين الفاظا مخصوصة لمقدار من المعانى التى كانت محل ابتلائهم بحيث ينتهى امر الواضعين بمرور الزمان الى اشخاص غير محصورين الخارجين عن تحت الضبط بحيث لم يقبل نقلهم فى التواريخ ولا فى غيره (١) نعم ربما ضبطوا فى التاريخ اوّل واضع فى كلّ لغة كما حكى ان المخترع للغة العرب يعرب وهكذا الامر لمخترع سائر اللغات وان كان الواضع فى كل طائفة ايضا غير محصورين ـ ولعمرى (٢) ان الوجدان السليم يساعد ما ذكرنا (٣) ولا اقل من امكانه واحتماله (٤) فينسد حينئذ طريق كشف الربط والخصوصية بين اللفظ والمعنى (٥) او كون الواضع هو البارى عزّ اسمه (٦)
______________________________________________________
وجود كثير من المعانى والالفاظ المستحدثة فى زماننا التى لا يكون لها فى سالف الزمان عين ولا اثر كما فى كثير من الجوهريات والآلات كالطائرة والسيارة وغيرهما.
(١) وبذلك اندفعت النواحى المتقدمة لاثبات كون الواضع هو علّام الغيوب من كونها غير متناهية وعدم نقل الواضع فى التاريخ فان الامر كذلك لو كان الواضع شخص واحد او شخصين فى كل لغة فكيف يقوم بوضع هذه الالفاظ غير المتناهية للمعانى كذلك ولم ينقل فى التاريخ لكن الامر ليس كذلك وانما يستند وضع الالفاظ فى اللغات الى الواضعين على نحو التدرج بحسب مرور الدهور والازمنة لوضع كل طائفة جملة من الالفاظ لجملة من المعانى التى دار عليها ابتلائهم ـ والشاهد على ذلك اختلاف عدد الكلمات واللغات بحسب اختلاف الامم والازمنة والامكنة حسب قلة الاحتياج وكثرته كما انهم يرفعون سائر احتياجاتهم حسب الفطرة التى فطرهم الله عليها.
(٢) نتيجة مترتبة على كلا الامرين الثانى والثالث معا.
(٣) من كون الواضع للغات ليس شخص معيّن بل كل لغة اشخاص غير معينين فى درج الزمان حسب ابتلائهم وسعة اجتماعاتهم واحتياجاتهم فمرور الزمن موجب لاتساع احتياجاتهم فيزداد الوضع ويتسع لا محالة كما نشاهده بالوجدان.
(٤) فاذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال فلا يكشف ما تقدم من الامور للمتوهم.
(٥) فعدم الدليل عليه.
(٦) لانه بلا وجه.