قالا كما رأيت بنزول الآية في مكة! وبذلك يكونا حملا حديث عائشة على أول البعثة ، كما حملا قول الحسن البصري وأمثاله !
ـ وقد أخذ بهذا القول أيضاً السهيلي في الروض الأنف : ٢ / ٢٩٠ ، والقسطلاني في إرشاد الساري : ٥ / ٨٦ ، وابن العربي في شرح الترمذي : ٦ جزء ١١ / ١٧٤ ، والعيني في عمدة القاري ٧ جزء ١٤ / ٩٥ ، وابن جزي في التسهيل : ١ / ٢٤٤ ، والنويري في نهاية الإرب : ٨ جزء ١٦ / ١٩٦ ، و ١٩ جزء ١٨ / ٣٤٢ ، والنيسابوري في الوسيط : ٢ / ٢٠٩ ، والدميري في حياة الحيوان : ١ / ٧٩ .. وغيرهم ، وغيرهم .
ـ وممن أخذ بهذا القول صاحب السيرة الحلبية : ٣ / ٣٢٧ وقد اغتنم فرصة الآية وارتباطها بحراسة النبي صلىاللهعليهوآله لإثبات فضيلة لأبي بكر بن أبي قحافة فقال : حراسه صلىاللهعليهوآله قبل أن ينزل عليه قوله تعالى : وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .... سعد بن معاذ حرسه ليلة يوم بدر ، وفي ذلك اليوم لم يحرسه إلا أبو بكر شاهراً سيفه حين نام بالعريش . انتهى .
وبذلك ناقض صاحب الحلبية نفسه وجاء بدليل على ضد مراده ، لأن إلغاء الحراسة إذا كان قبل الهجرة ، فلم تبق حاجة لحراسة أبي بكر وغيره في بدر !
على أن الظاهر أنه لم يكن للمسلمين عريشٌ في بدر ! وقد روى الحاكم رواية وصححها على شرط مسلم ، تذكر أن ثلث المسلمين حرسوا النبي صلىاللهعليهوآله في بدر ، وهو أمر معقول ، لأن المسلمين نزلوا بالعدوة القصوى وهي منطقة مكشوفة . قال الحاكم : ٢ / ٣٢٦ : عن عبادة ابن الصامت رضياللهعنه قال سألته عن الأنفال ، قال : فينا يوم بدر نزلت ، كان الناس على ثلاث منازل ، ثلثٌ يقاتل العدو ، وثلث يجمع المتاع ويأخذ الأسارى وثلث عند الخيمة يحرس رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما جمع المتاع اختلفوا فيه .... فجعله الى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقسمه على السواء . انتهى .
ويدل على بطلان هذا القول : أولاً ، ما تقدم في القول الأول .
ثانياً : نفس روايات القول الثالث وغيره ، التي تنص على أن إلغاء الحراسة المزعوم حصل في المدينة ، وليس في مكة .