لكن ما بعدها ذلك خطٌّ أحمر .. هكذا أراد الله تعالى !!
لقد تحققت عصمة النبي صلىاللهعليهوآله من قريش في منعطفات كثيرة في حجة الوداع .. في مكة ، وعرفات ، وفي ثلاث خطبٍ في منى ، خاصةً خطبة مسجد الخيف ..
وما تنفست قريش الصعداء إلا برحيله صلىاللهعليهوآله دون أن يطالبها بالبيعة لعلي !
ولكن الله تعالى لم يكتف بذلك ، حتى أمر نبيه صلىاللهعليهوآله أن يوقف المسلمين في طريق عودتهم في حر الظهيرة ، في صحراء ليس فيها كلأ لخيولهم وجمالهم ، ولا سوق ليشتروا منه علوفة وطعاماً ، إلا دوحةٌ من بضع أشجار على قليل من ماء .. وذلك بعد مسير ثلاثة أيام ، ولم يصبر عليهم حتى يصلوا الى مدينة الجحفة التي لم يبق عنها إلا ميلان أو أقل ، بل كان أول القافلة وصل الى مشارفها ، فبعث اليهم وأرجعهم الى صحراء الغدير !
كل ذلك لكي يصعد الرسول صلىاللهعليهوآله المنبر في غير وقت صلاة ، ليرفع بيد ابن عمه وصهره علي عليهالسلام ويقول لهم : هذا وليكم من بعدي ، ثم من بعده ولداه الحسن والحسين ، ثم تسعة من ذرية الحسين عليهمالسلام !
هنا تجلت آية العصمة من الناس مجسمةً للعيان .. فقد كمَّمَ الله تعالى أفواه قريش عن المعارضة ، وفتح أفواههم للموافقة ، فقالوا جميعاً : نشهد أنك بلغت عن ربك .. وأنك نعم الرسول .. سمعنا وأطعنا .. وتهافتوا مع المهنئين الى خيمة علي .. وكبروا مع المكبرين عندما نزلت آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) !
ثم أصغوا جميعاً الى قصيدة حسان بن ثابت في وصف نداء النبي صلىاللهعليهوآله ، وإبلاغه عن ربه ولاية علي عليهالسلام من بعده .
واستمرت التهنئة من بعد صلاة العصر الى ما شاء الله .. ومن بعد صلاة المغرب والعشاء تتابع عدد من المهنئين في العتمة ، حتى طلع قمر ليلة التاسع عشر من ذي الحجة .. فقد بات النبي صلىاللهعليهوآله في غدير الإمامة ، وتحرك الى المدينة بعد صلاة فجره .. وقيل بقي فيه يومان !