ولو أنه اقتصر عل ذكر ما اختاره في سبب نزولها لكان له وجهٌ ، ولكنه ذكر القولين ، وذكر رواية أحدهما دون الآخر ، وبذلك ابتعد عن إنصاف العالم الباحث .
لكن شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفى سنة ٩٧٧ ، صاحب التفسير المعروف ، كان أكثر إنصافاً من الشوكاني ، فقد ذكر السببين معاً ، فقال كما نقل عنه صاحب عبقات الأنوار : ٧ / ٣٩٨ :
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ : اختلف في هذا الداعي ، فقال ابن عباس : هو النضر بن الحارث . وقيل : هو الحارث بن النعمان ، وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلىاللهعليهوآله من كنت مولاه فعلي مولاه ، ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته في الأبطح ثم قال : يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلۤه إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك ... الخ .. انتهى .
أما أبو عبيد المتوفى سنة ٢٢٣ ، فقد جعل الحديث سبباً لنزول الآية على نحو الجزم ، لأنه ثبت عنده ، ولعله لم يثبت عنده غيره حتى يذكره ، فقال كما في نفحات الأزهار : ٧ / ٢٩١
لما بلَّغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غدير خم ما بلَّغَ ، وشاع ذلك في البلاد ، أتى جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال :
يا محمد ! أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إلۤه إلا الله وأنك رسول الله ، وبالصلاة ، والصوم والحج ، والزكاة ، فقبلنا منك .. ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ! فهذا شئ منك أم من الله ؟!
فقال رسول الله : والله الذي لا إلۤه إلا هو إنَّ هذا من الله .
فولى جابر يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله تعالى : سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ .. الآية . انتهى .
ـ وقال القرطبي في تفسيره : ١٨ / ٢٧٨
أي سأل
سائل عذاباً واقعاً . للكافرين : أي على الكافرين . وهو النضر بن الحارث