ثم أورد صاحب الغدير نصوص ثلاثين مؤلفاً رووا الحديث بعدة طرق ، وفيهم محدثان أقدم من الثعلبي كما تقدم .. ثم أفاض في رد الوجوه التي ذكرها ابن تيمية في كتابه منهاج السنة : ٤ / ١٣ ، وأجاب عنها ، ونورد فيما يلي خلاصتها ، قال :
الوجه الأول : إن قصة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، وقد أجمع الناس على هذا ، وفي الحديث : أنها لما شاعت في البلاد جاءه الحارث ، وهو بالأبطح بمكة ، وطبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة ، فالمفتعل للرواية كان يجهل تاريخ قصة الغدير .
الجواب : أولاً ما سلف في رواية الحلبي في السيرة ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ، والشيخ محمد صدر العالم في معارج العلى ، من أن مجئ السائل كان في المسجد ـ إن أريد منه مسجد المدينة ـ ونص الحلبي على أنه كان بالمدينة ، لكن ابن تيمية عزب عن ذلك كله ، فطفق يهملج في تفنيد الرواية بصورة جزمية .... فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكة ، ولو كان يراجع كتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان والأدب لوجد فيها نصوص أربابها بأن الأبطح كل مسيل فيه دقاق الحصى .
ـ روى البخاري في صحيحه : ١ / ١٨١ ، ومسلم في صحيحه : ١ / ٣٨٢
عن عبد الله ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلى بها .
الوجه الثاني : أن سورة المعارج مكية باتفاق أهل العلم ، فيكون نزولها قبل واقعة الغدير بعشر سنين أو أكثر من ذلك .
الجواب : أن المتيقن من معقد الإجماع المذكور هو نزول مجموع السورة مكياً ، لا جميع آياتها ، فيمكن أن يكون خصوص هذه الآية مدنياً ، كما في كثير من السور .
ولا
يرد عليه أن المتيقن من كون السورة مكية أو مدنية ، هو كون مفاتيحها كذلك أو الآية التي انتزع منها اسم السورة ، لما قدمناه من أن هذا الترتيب هو ما اقتضاه
التوقيف ، لا ترتيب النزول ، فمن الممكن نزول هذه الآية أخيراً ، وتقدمها