فلا إكراه في الدين الإلۤهي .. وحرية الناس يجب أن تبقى محفوظة ، ليؤمنوا إن شاؤوا أو يكفروا .. ويلتزموا بالدين أو ينحرفوا عنه .. لأن ذلك معنى فتح مدرسة الحياة في هذه الدار ، وامتحان الناس بالهدى والضلال ، وإعطائهم القدرة على فعل الخير أو الشر .. ثم محاسبتهم في مرحلة لاحقةٍ في دارٍ أخرى .
وإجبارهم يتنافى مع أصول الإمتحان ، وما يلزمه من حرية اختيار .
* *
والمسألة الثانية : أن هدف الأنبياء والرسل عليهمالسلام يتركز على القضايا ( الكبرى ) في حياة الناس ومسار المجتمعات .. فالرسول عليهالسلام مهندسٌ رباني ، ولكنه مهندسُ مدنٍ ومجتمع ، ومسيرة تاريخ .
وأعماله يجب أن ينظر اليها بهذا المنظار ، وأن تقاس بهذا المقياس ، وأن يسأل الباحث نفسه : ماذا كان سيحدث في ثقافة الناس ومسار التاريخ ، لو لم يبعث هذا الرسول ، وماذا حدث بسبب بعثته وأدائه لرسالته ؟
أو يسأل نفسه : كيف كانت حالة العالم الوثنية اليوم ، لو لم يبعث إبراهيم عليهالسلام ويرسي أساس التوحيد ، ويزرع كلياته في مسيرة المجتمع الإنساني ؟!
أو كيف كانت حالة الجزيرة العربية ، والبلاد العربية ، والعالم في عصرنا ، لو لم يبعث نبينا صلىاللهعليهوآله ، ولم يحدث هذا المد الأخير من التوحيد والحضارة ؟!
لقد كان عمله صلىاللهعليهوآله تكوين أمة ، ودفعها لتأخذ موقعها في مصاف أمم العالم ، بل في ريادتها .. بأحسن ما يمكن من مقومات الأمة ، مضموناً وشكلاً ..
كان عمله إنشاء سفينة ، وإطلاقها في بحر شعوب العالم وفي مجرى التاريخ .. وكان حريصاً أن يكون ربانها بعده أهل بيته ، الذين اصطفاهم الله وطهرهم ، وأورثهم الكتاب .. ولكن إن لم تقبل الأمة بقيادتهم ، فليكن الربان من يكون ، حتى يبلغ الله أمره في هذه الأمة ، ثم يبعث فيها المهدي الموعود عليهالسلام .