وعلى ضوء هذا فالمثل بمعنى الوصف ـ وقد تقدم منّا القول ـ بأنّ من معانى المثل هو الوصف. فقوله : ( وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ) ، أي « لما يأتكم وصف الذين خلوا من قبلكم » فلا يدخلون حظيرة الإيمان الكامل إلاّ أن يكون لهم وصف مثل وصف الذين واجهوا المصائب والفتن بصبر وثبات وعانوا الكثير من القلق والاضطراب ، كما قال تعالى في حقّ المؤمنين : ( وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا ) ففي خضّم هذه الفتنة التي تنفد فيها طاقات البشر ، فإذا بالرحمة تنزل عليهم من خلال دعاء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وصالح المؤمنين.
كما قال سبحانه : ( وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ) والجملة ليست إلاّ طلب دعاء للنصر الذي وعد الله به رسله والمؤمنين بهم واستدعاءً له ، كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ ) (١) ، وقال تعالى : ( كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) (٢).
يقول الزمخشري : ومعناه طلب الصبر وتمنّيه واستطالة زمان الشدة ، وفي هذه الغاية دليل على تناهي الأمر في الشدة ، وتماديه في العظم ... فإذا لم يبق للرسل صبر حتى ضجّوا ، كان ذلك الغاية في الشدة التي لا مطمح ورائها.
وعند ذلك يخاطبون بقوله سبحانه : ( أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) أي يقال لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر (٣).
ثمّ إنّ القراءة المعروفة هي الرفع في قوله : ( حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ ) ، وعند ذلك تكون الجملة لحكاية حال الأمم الماضية. وقرئ بنصب « يقول » وعلى هذا
__________________
(١) الصافات : ١٧١ ـ ١٧٢.
(٢) المجادلة : ٢١.
(٣) الكشاف : ١ / ٢٧٠ في تفسير الآية.