إنّ قتل كعب بن الأشرف أوجد هزّة وتخلخلاً في صفوف اليهود ، عند ذلك أعطى رسول الله صلىاللهعليهوآله أمراً للمسلمين أن يتحرّكوا لقتال هذه الفئة الباغية الناقضة للعهد.
وعندما علم اليهود بهذا لجأوا إلى قلاعهم المحكمة وحصونهم القوية ، وأحكموا الأبواب ، إلّا أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله أمر أن تقلع أشجار النخيل القريبة من القلاع.
فقد إرتفع صوت اليهود عندما شعروا بالضيق ، وهم محاصرون في حصونهم ... فقالوا : يا محمّد ، لقد كنت تنهى عن هذا ، فما الذي حدا بك لتأمر قومك بقطع نخيلنا؟
فنزلت الآية (٥) من الآيات محل البحث وبيّنت بأنّ هذا العمل هو أمر من الله عزوجل.
واستمرّت المحاصرة لعدّة أيّام ، ومنعاً لسفك الدماء إقترح رسول الله صلىاللهعليهوآله عليهم أن يتركوا ديارهم وأراضيهم ويرحلوا من المدينة ، فوافقوا على هذا وحملوا مقداراً من أموالهم تاركين القسم الآخر ... واستقرّ قسم منهم في أذرعات الشام ، وقليل منهم في خيبر ، وجماعة ثالثة في الحيرة ، وتركوا بقية أموالهم وأراضيهم وبساتينهم وبيوتهم بيد المسلمين بعد أن قاموا بتخريب ما يمكن لدى خروجهم منها (١).
التّفسير
بدأت هذه السورة بتنزيه وتسبيح الله وبيان عزّته وحكمته. يقول سبحانه : (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
وهذه مقدمة لبيان قصة يهود بني النضير ، اولئك الذين انحرفوا عن طريق التوحيد ومعرفة الله وصفاته.
التسبيح العام الوارد في الآية لجميع موجودات الأرض والسماء ، أعم من الملائكة والبشر والحيوانات والنباتات والجمادات يمكن أن يكون بلسان القال ويمكن أن يكون بلسان حال هذه المخلوقات حول دقّة النظام المثير للعجب لها في خلق كل ذرّة من ذرّات هذا الوجود ، وهو التسليم المطلق لله سبحانه والإعتراف بعلمه وقدرته وعظمته وحكمته.
ومن جهة اخرى فإنّ قسماً من العلماء يعتقدون أنّ كل موجود في العالم له نصيب وقدر من العقل والإدراك والشعور ، بالرغم من أنّنا لم ندركه ولم نطّلع عليه ، وبهذا الدليل فإنّ هذه المخلوقات تسبّح بلسانها ، بالرغم من أنّ آذاننا ليس لها القدرة على سماعها.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ٩ / ٤٢٥ ؛ وتفسير علي بن إبراهيم ٢ / ٣٥٨ ؛ وتفسير القرطبي ١٨ / ٢.