وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ).
وهكذا فإنّ هؤلاء المنافقين وعدوا طائفة اليهود بامور ثلاثة ، وجميعها كانت كاذبة.
ولهذا السبب يقول القرآن الكريم بصراحة : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).
أجل ، لقد كان المنافقون كاذبين دائماً ، والكاذبون منافقين غالباً.
ثم ... للإيضاح والتأكيد الأكثر حول كذب المنافقين يضيف سبحانه :
(لَئِنْ أُخْرِجُوا لَايَخْرُجُونَ مَعَهُمْ).
وَلَئِن قُوتِلُوا لَايَنصُرُونَهُمْ).
وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ).
ثُمَّ لَايُنصَرُونَ).
والآية اللاحقة تتحدث عن سبب هذا الإندحار ، حيث يقول سبحانه : (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِى صُدُورِهِم مِّنَ اللهِ).
ولأنّهم لا يخافون الله ، فإنّهم يخافون كل شيء خصوصاً إذا كان لهم أعداء مؤمنون مثلكم : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّايَفْقَهُونَ).
ثم يستعرض دليلاً واقعياً واضحاً يعبّر عن حالة الخوف والاضطراب حيث يقول سبحانه : (لَايُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ).
«قرى : جمع قرية ، أعمّ من المزروعة وغير المزروعة ، وتأتي أحياناً بمعنى الناس المجتمعين في مكان واحد.
«محصّنة : من مادة حصن بمعنى مسوّرة ، وبناءً على هذا فإنّ (القرى المحصّنة) تعني القرى التي تكون في أمان بوسيلة أبراجها وخنادقها والمواضع التي تعيق تقدّم العدو فيها.
نعم ، بما أنّهم خرجوا من حصن الإيمان والتوكل على الله ، فإنّهم بغير الإلتجاء والإتّكاء على الجدران والقلاع المحكمة لا يتجرّؤون على مواجهة المؤمنين.
ثم يوضّح أنّ هذا ليس ناتجاً عن جهل بمعرفة فنون الحرب ، أو قلة في عددهم وعدّتهم ، أو عجز في رجالهم ، بل إنّ (بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ).
ولهذا السبب ـ واستمراراً لما ورد في نفس الآية ـ نستعرض سبباً آخر من أسباب إندحار المنافقين ، حيث يقول سبحانه : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ).