وهكذا فإنّ الإنسجام الظاهري للعناصر غير المؤمنة والإتفاقيات العسكرية والاقتصادية يجب ألّا تخدعنا أبداً ، لأنّ وراءها قلوب متناحرة متنافرة ، ودليلها واضح وهو إنهماك كل منهم بمنافعه المادية بشكل شديد ، وبما أنّ المنافع غالباً ما تكون متعارضة ، فعندئذ تبرز الاختلافات والشحناء فيما بينهم ، ولن تغني عن ذلك العهود والإتفاقيات وشعارات الوحدة والانسجام الظاهري. في الوقت الذي تكون فيه وحدة وانسجام المؤمنين على قواعد واصول ربانية كأصل الإيمان والتوحيد والقيم الإلهية.
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (١٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (١٩) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (٢٠)
يستمرّ البحث في هذه الآيات حول قصة بني النضير والمنافقين ورسم خصوصية كل منهم في تشبيهين رائعين : يقول سبحانه في البداية : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
تحدّثنا هذه الآية عن ضرورة الاعتبار بما جرى لبني النضير والقوم الذين كانوا من قبلهم وما جرى لهم.
ويعتقد كثير من المفسرين أنّ المقصود بقوله (الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) هو إشارة إلى قصة يهود بني قينقاع ، التي حدثت بعد غزوة بدر ، وانتهت بإخراجهم من المدينة ، لأنّ يهود بني قينقاع كيهود بني النضير كانوا ذوي ثراء ومغرورين بقدرتهم القتالية ، يهدّدون رسول الله صلىاللهعليهوآله والمسلمين بقوّتهم وقدرتهم العسكرية إلّاأنّ العاقبة لم تكن غير حصاد التيه والتعاسة في الدنيا والعذاب في الآخرة.