«وبال : بمعنى (عاقبة الشؤم والمرارة) وهي في الأصل مأخوذة من وابل بمعنى المطر الغزير ، لأنّ المطر الغزير غالباً ما يكون مخيفاً.
ثم يستعرض القرآن الكريم تشبيهاً للمنافقين حيث يقول سبحانه : (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِىءٌ مّنكَ إِنّى أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ).
والمقصود ب الإنسان في هذه الآية هو مطلق الإنسان الذي يقع تحت تأثير الشيطان ، وينخدع بأحابيله ووعوده الكاذبة ، ويسير به في طريق الكفر والضلال ، ثم إنّ الشيطان يتركه ويتبرّأ منهم.
نعم ، هكذا حال المنافقين حيث يدفعون بحلفائهم من خلال الوعود الكاذبة والمكر والحيلة إلى اتون المعارك والمشاكل ثم يتركونهم لوحدهم ، ويتخلّون عنهم ، لأنّ الوفاء لا يجتمع والنفاق.
وتتحدث الآية اللاحقة عن مصير هاتين الجماعتين (الشيطان وأتباعه ، والمنافقين وحلفائهم من أهل الكفر) وعاقبتهما البائسة ، حيث النار خالدين فيها ، فيقول سبحانه عنهم : (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِى النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذلِكَ جَزَاؤُا الظَّالِمِينَ).
وهذا أصل كلّي فإنّ عاقبة تعاون الكفر والنفاق ، والشيطان وحزبه ، هو الهزيمة والخذلان ، وعدم الموفّقية ، وعذاب الدنيا والآخرة ، في الوقت الذي تكون ثمره تعاون المؤمنين وأصدقائهم تعاون وثيق وبنّاء ، وعاقبته الخير ونهايته الانتصار والتمتع بالرحمة الإلهية الواسعة في عالم الدنيا والآخرة.
وتوجّه الآية اللاحقة حديثها للمؤمنين بعنوان استنتاج من حالة الشؤم والبؤس التي اعترت المنافقين وبني النضير والشياطين ، حيث يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لَغَدٍ).
إنّ هذه الذخيرة الاخروية تمثّل أكبر رأسمال حقيقي للإنسان في مشهد يوم القيامة ، لذا فإنّ هذا النوع من الأعمال الصالحة يلزم إعداده وتهيئته وإرساله مسبقاً ، وإلّا فلا أحد يهتمّ له بعد وفاته وإنقضاء أجله ، وإذا ارسل شيئاً فليس له شأن يذكر.
ثم يضيف تعالى مرّة اخرى للتأكيد بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
نعم ، التقوى والخوف من الله يدعوان الإنسان للتفكير بيوم غده (القيامة) بالإضافة إلى السعي إلى تنقية وتخليص وتطهير أعماله.