علياً وعمّاراً وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الأسود ، وأبا مرثد وكانوا كلّهم فرساناً وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين ، فخذوه منها. فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان الذي ذكره رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا لها : أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها من كتاب ، فنحوها وفتّشوا متاعها فلم يجدوا معها كتاباً ، فهمّوا بالرجوع. فقال علي عليهالسلام : والله ما كذبنا ولا كُذِبنا ، وسلّ سيفه وقال لها : أخرجي الكتاب وإلّا والله لأضربنّ عنقك! فلمّا رأت الجدّ أخرجته من ذؤابتها قد أخبأته في شعرها. فرجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأرسل إلى حاطب فأتاه ، فقال له : هل تعرف الكتاب؟ قال : نعم. قال : فما حملك على ما صنعت؟ قال : يا رسول الله! والله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا غششتك منذ نصحتك ، ولا أحببتهم منذ فارقتهم ، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلّاوله بمكة من يمنع عشيرته وكنت عريراً فيهم [أي غريباً] وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتّخذ عندهم يداً ، وقد علمت أنّ الله ينزل بهم بأسه وأنّ كتابي لا يغني عنهم شيئاً ، فصدقه رسول الله صلىاللهعليهوآله وعذره. فقام عمر بن الخطاب وقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وما يدريك يا عمر لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فغفر لهم فقال لهم : إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
[وكيفية العلاقة التي يجب أن تتحكّم بين المسلمين من جهة ، والمشركين وأعداء الله من جهة اخرى ، والتأكيد على إلغاء وتجنّب أي ولاء مع أعداء الله].
التّفسير
نتيجة الولاء لأعداء الله : علمنا مما تقدّم أنّ سبب نزول الآيات السابقة هو التصرف المشين الذي صدر من أحد المسلمين (حاطب بن أبي بلتعة) ورغم أنّه لم يكن قاصداً التجسّس إلّاأنّ عمله نوع من إظهار المودّة لأعداء الإسلام ، فجاءت الآيات الكريمة تحذّر المسلمين من تكرار مثل هذه التصرفات مستقبلاً وتنهاهم عنها.
يقول سبحانه في البداية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتَتَّخِذُوا عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ). مؤكّداً أنّ أعداء الله وحدهم هم الذين يضمرون العداء للمؤمنين والحقد عليهم ، ومع هذا التصور فكيف تمدّون يد الصداقة والودّ لهم.
ويضيف تعالى : (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مّنَ الْحَقّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبّكُمْ).