إنّهم يخالفونكم في العقيدة ، كما أنّهم شنّوا عليكم الحرب عمليّاً ، ويعتبرون إيمانكم بالله ـ الذي هو أكبر فخر لكم وأعظم قداسة تجلّلكم ـ غاية الجرم وأعظم الذنب ، ومع هذه الأعمال التي مارسوها معكم ، هل من المناسب إظهار المودّة لهم.
ثم يضيف القرآن الكريم موضّحاً : (إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِى سَبِيلِى وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِى). فلا تعقدوا معهم أواصر الولاء والودّ.
فإذا كنتم ممّن تدّعون حبّ الله حقّاً ، وهاجرتم من دياركم لأجله سبحانه وترغبون في الجهاد في سبيله طلباً لرضاه تعالى ، فإنّ هذه الأهداف العظيمة لا يناسبها إظهار الولاء لأعداء الله سبحانه.
ثم يضيف عزوجل للمزيد من الإيضاح فيقول : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ).
وبناءً على هذا فما عسى أن يغني الإخفاء وهو واقع بعلم الله في الغيب والشهود؟
وفي نهاية الآية نجد تهديداً شديداً لمن يجانب السبيل الذي أمر به الله سبحانه بقوله : (وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ).
فمن جهة انحرف عن معرفة الله تعالى بظنّه أنّ الله لا يعلم ولا يرى ما يصنع ، وكذلك إنحرف عن طريق الإيمان والإخلاص والتقوى ، حينما يعقد الولاء وتقام أواصر المودّة مع أعداء الله ، وبالإضافة إلى ذلك فإنّه وجّه ضربة قاصمة إلى حياته حينما أفشى أسرار المسلمين إلى الأعداء ، ويمثّل ذلك أقبح الأعمال وأسوأ الممارسات حينما يسقط الشخص المؤمن بهذا الوحل ويقوم بمثل هذه الأعمال المنحرفة بعد بلوغه مرتبة الإيمان والقداسة.
وفي الآية اللاحقة يضيف سبحانه للتوضيح والتأكيد الشديد في تجنّب موالاتهم : (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ) (١).
أنتم تكنّون لهم الودّ في الوقت الذي يضمرون لكم حقداً وعداوة عميقة ومتأصّلة ، وإذا ما ظفروا بكم فإنّهم لن يتوانوا عن القيام بأي عمل ضدّكم.
والأدهى من ذلك هو سعيهم الحثيث في ردّكم عن دينكم وإسلامكم ، والعمل على تجريدكم من أعظم مكسب وأكبر مفخرة لكم ، وهي حقيقة الإيمان : (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ).
__________________
(١) يثقفوكم : من مادة : ثقف وثقافة ، بمعنى المهارة في تشخيص أو إنجاز شيء ما ، ولهذا السبب تستعمل ـ أيضاً ـ بمعنى الثقافة أو التمكّن والتسلّط المقترن بمهارة على الشيء.