وفي آخر آية من هذه الآيات يستعرض سبحانه الجواب على حاطب بن أبي بلتعة ومن يسايره في منهجه من الأشخاص ، حينما قال في جوابه لرسول الله عن السبب الذي حدا به إلى إفشاء أسرار المسلمين لمشركي مكة ، حيث قال بلتعة : أهلي وعيالي في مكة ، وأردت أن أمنع عنهم الأذى وأصونهم بعملي هذا ، (واتّخذ عند أهلها يداً). يقول تعالى : (لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلدُكُمْ).
وذلك لأنّ الأرحام والأولاد المشركين سوف لن يجلبوا خيراً وعزّة في الدنيا ولا نجاة في الآخرة.
ثم يضيف تعالى : (يَوْمَ الْقِيمَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ).
وهذا تأكيد على أنّ مقام أهل الإيمان هو الجنة ، وأنّ أهل الكفر يساقون إلى جهنم وبئس المصير.
وفي نهاية الآية يحذّر الجميع مرّة اخرى بقوله تعالى : (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
إنّه عالم بنيّاتكم ، وعالم بالأعمال التي تصدر منكم ، سواء كانت في حالة السرّ أو العلن ، وإذا كانت المصلحة الإلهية تقتضي عدم إفشاء أسراركم أحياناً كما في حادثة حاطب بن أبي بلتعة ، فلأنّها لحكمة أو مصلحة يراها سبحانه ، وليس لأنّه لا يعلم بها أو تخفى عليه خافية.
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٦)
إنّ منهج القرآن (من أجل التأكيد على تعاليمه القيّمة) يعتمد في كثير من الموارد طريقة الاستشهاد بنماذج أساسية في عالم الإنسانية والحياة ، وبعد التشديد السابق الذي مرّ بنا خلال الآيات السابقة في تجنّب عقد الولاء لأعداء الله ، يتحدث القرآن الكريم عن