إبراهيم عليهالسلام ومنهجه القدوة كنموذج رائد يحظى باحترام جميع الأقوام وخصوصاً العرب منهم. قال تعالى : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ).
والمراد من تعبير (الَّذِينَ مَعَهُ) هم المؤمنون الذين ساروا برفقته في هذا الطريق بالرغم من قلّة عددهم.
ثم يضيف سبحانه لتوضيح هذا المعنى : (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاؤُا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ).
ومرّة اخرى يؤكّدون مضيفين : (كَفَرْنَا بِكُمْ). والكفر هنا هو كفر البراءة الذي اشير له في بعض الروايات ضمن ما ورد في تعدّد أقسام الكفر الخمسة.
ويضيفون للمرّة الثالثة مؤكّدين بصورة أشدّ : (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ).
وبهذا الإصرار وبهذه القاطعية وبدون أي تردّد أو مواربة يعلن المؤمنون انفصالهم وإبتعادهم ونفرتهم من أعداء الله حتى يؤمنوا بالله وحده ، وهم مستمرّون في موقفهم وإلى الأبد ولن يتراجعوا عنه أو يعيدوا النظر فيه إلّاإذا غيّر الكفار مسارهم وتراجعوا عن خطّ الكفر إلى الإيمان.
ولأنّ هذا القانون العام كان له استثناء في حياة إبراهيم عليهالسلام يتجسّد ذلك بإمكانية هداية بعض المشركين ، حيث يقول سبحانه معقّباً : إنّ هؤلاء قطعوا كل إرتباط لهم مع قومهم الكافرين حتى الكلام الودود والملائم : (إِلَّا قَوْلَ إِبْرهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِن شَىْءٍ). وقد عمل إبراهيم عليهالسلام بما وعد آزر به.
ويقول عزوجل في بيان هذا المعنى : (وَمَا كَانَ إِسْتِغْفَارُ إِبْرهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌ لِّلَّهِ تَبَّرَأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١).
إنّ إبراهيم عليهالسلام وأصحابه كانوا من أشدّ المخالفين والمحاربين للشرك ، ولابدّ لنا من الإقتداء بهم وأخذ الدروس والعبر من سيرتهم ، بما في ذلك ما يتعلق بموقفه من آزر إذا توفّرت لنا نفس الشروط والخصوصيات.
وبما أنّ محاربة أعداء الله ، والصرامة والشدّة معهم ـ خصوصاً مع تمتّعهم بقدرة ظاهرية ـ سوف لن تكون فاعلة إلّابالتوكل على الله تبارك وتعالى ، يضيف سبحانه في نهاية الآية :
__________________
(١) سورة التوبة / ١١٤.