«مرصوص : من مادة رصاص بمعنى معدن الرصاص ، ولأنّ هذه المادة توضع بعد تذويبها بين طبقات البناء من أجل استحكامه وجعله قوياً ومتيناً للغاية ، لذا اطلقت هذه الكلمة هنا على كل أمر قوي ومحكم.
والمقصود هنا أن يكون وقوف وثبات المجاهدين أمام العدو قوياً راسخاً.
إنّ من العوامل المهمة والمؤثرة في تحقيق النصر عامل الانسجام ووحدة الصفوف أمام الأعداء في ميادين القتال ، وهذا المبدأ لا يجدر بنا الالتزام به في الحرب العسكرية فحسب ، بل علينا تجسيده في الحروب الإقتصادية والسياسية ... وإلّا فسوف لن نحقق شيئاً.
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٦)
البشارة بظهور النبي (أحمد) : تأتي الآية الكريمة ـ أعلاه ـ مكمّلة لمحورين أساسيين تحدثت عنهما الآيات السابقة وهما (الانسجام بين القول والعمل) و (وحدة الصف الإيماني) ، لتستعرض لنا زاوية من حياة النبيين العظيمين (موسى وعيسى) عليهماالسلام ، ومتطرّقة إلى طبيعة التناقض والانفصام بين أقوال أتباعهم وأعمالهم ، بالإضافة إلى (عدم إنسجام صفوفهم) وأخيراً المصير السيء الذي انتهوا إليه. يقول تعالى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى وَقَدْ تَّعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ).
والمراد من هذا الإيذاء هو ما كانوا ينسبونه لموسى عليهالسلام من تهم ، كما يبيّن ذلك في الآية (٦٩) من سورة الأحزاب : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتَكُونُوا كَالَّذِينَءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا).
ومما لا شك فيه أنّ هذه الممارسات لم تبق بدون عقاب كما نقرأ ذلك في نهاية الآية حيث قال تعالى : (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
إنّ ما يستفاد من المفهوم الذي إستعرضته الآية المباركة أنّ الهداية والضلالة وإن كانت من قبل الله سبحانه ، إلّاأنّ مقوّماتها وأرضيتها تكون من الإنسان نفسه.