خلال مثال رائع يبعث على الحركة الإلهية في روح الإنسان ، والتي هي شرط إنتصار الإسلام على كل الأديان ، وقد اشير إلى هذا العامل في الآيات الماضية. يقول تعالى في البداية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
وقد بادر في نفس الوقت وبدون إنتظار للإجابة متحدّثاً عن هذه التجارة المتعددة المنافع ، حيث يضيف تعالى : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ).
ومما لا شك فيه أنّ الله سبحانه غني عن هذه التجارة النافعة وأنّ جميع منافعها تعود على المؤمنين. لذا يقول في نهاية الآية : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
إنّ الإيمان بالرسول لا ينفصل عن الإيمان بالله تعالى ، كما أنّ الجهاد بالنفس لا ينفصل عن الجهاد بالمال.
وعند التدقيق في الآية المباركة نلاحظ أنّه تعالى قد قدّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس ، لا باعتباره أكثر أهمية ، بل بلحاظ أنّه مقدمة للجهاد بالنفس ، لأنّ مستلزمات الجهاد لا تتهيّأ إلّاعند توفّر الإمكانات المادية.
لقد تمّ تسليط الأضواء على ثلاثة عناصر أساسية في هذه التجارة العظيمة والتي لا مثيل لها.
(فالمشتري) هنا هو الله سبحانه ، و (البائع) هم المؤمنون ، و (البضاعة) هي الأنفس والأموال ، ويأتي دور العنصر الرابع في هذه الصفقة وهو الثمن والعوض لهذه المعاملة العظيمة.
يقول تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وتستعرض الآية مرحلة الجزاء الاخروي في البداية حيث غفران الذنوب باعتبارها أهمّ عوامل القلق وعدم الراحة الفكرية والنفسية للإنسان ، وعندما يتحقق الغفران له فمن المسلّم أنّ الراحة والهدوء والإطمئنان تنشر ظلالها عليه.
كما أنّنا نقرأ في الآية اللاحقة عن شعبتين من الهبات الإلهية التي تفضل بها الباريء على عباده المؤمنين في هذه الدنيا حيث يقول : (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ).
يالها من تجارة مباركة مربحة حيث تشتمل على الفتح والنصر والنعمة والرحمة.