هؤلاء مثلهم كمثل الحمار الذي يضرب به المثل في الغباء والحماقة.
ثم يقول تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَايَاتِ اللهِ). إذ لم يكتفوا بمخالفة القرآن عملاً ، بل أنكروه بلسانهم أيضاً ، حيث نصّت الآية (٨٧) من سورة البقرة وهي تصف اليهود قائلة : (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَاتَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ).
ويقول تعالى في آخر الآية في عبارة وجيزة : (وَاللهُ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
صحيح أنّ الهداية شأن إلهي ، ولكن ينبغي أن تهيّأ لها الأرضية اللازمة ، وهي الروح التواقة لطلب الحق والبحث عنه ، وهي امور يجب أن يهيّئها الإنسان نفسه ، ولا شك أنّ الظالمين يفتقدون مثل هذه الأرضية.
وقد حملت الروايات بشدّة على مثل هؤلاء العلماء الذين لا يعملون بما يعلمون ، ففي رواية عن الرسول صلىاللهعليهوآله أنّه قال : من ازداد علماً ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلّابعداً (١).
ومثل هؤلاء العلماء سيكونون بلاءً على المجتمع ووبالاً عليه ، وسينتهي المجتمع الذي علماؤه من هذا القبيل إلى مصير خطير.
يقول الشاعر :
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها |
|
فكيف إذا الرعاة لها ذئاب |
وأوضحنا سابقاً أنّ اليهود اعتبروا أنفسهم امّة مختارة ، أو نسيجاً خاصاً لا يشبه غيره ، وذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما ادّعوا أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه المنتقمون ، وهذا ما أشارت إليه الآية (١٨) من سورة المائدة : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنؤُا اللهِ وَأَحِبؤُهُ). (رغم أنّهم يقصدون الأبناء المجازيين).
ولكن القرآن شجب هذا التعالي مرّة اخرى بقوله : (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
فالأحبّاء يتمنون اللقاء دائماً ، ولا يتمّ اللقاء المعنوي بالله يوم القيامة.
إنّ خوفكم وفراركم من الموت دليل قاطع على أنّكم متعلقون بهذه الدنيا وغير صادقين في إدعائكم.
__________________
(١) المحجّة البيضاء في تهذيب الاحياء ١ / ١٢٦.