وتعبير الضلال المبين إشارة إلى سابقة العرب وماضيهم الجاهلي في عبادة الأصنام.
نعم لقد جاء الرسول وأنقذهم ببركة الكتاب والحكمة من هذا الضلال والتخبّط وزكّاهم وعلّمهم. وحقّاً إنّ تربية وتغيير مثل هذا المجتمع الضال يعتبر أحد الأدلة على عظمة الإسلام ومعاجز نبيّنا العظيمة.
ولكن لم يكن الرسول مبعوثاً لهذا المجتمع الامّي فقط ، بل كانت دعوته عامة لجميع الناس ، فقد جاء في الآية التالية : (وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ).
بناءً على ذلك تكون الآية أعلاه شاملة لجميع الأقوام الذين يأتون بعد أصحاب الرسول من العرب والعجم.
وجاء في آخر الآية : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
بعد أن يشير إلى هذه النعمة الكبيرة ـ أي نعمة بعث نبي الأكرم وبرنامجه التعليمي والتربوي ـ يضيف قائلاً : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨)
الحمار الذي يحمل الأسفار : جاء في بعض الروايات أنّ اليهود قالوا : (إذا كان محمّد قد بعث برسالة فإنّ رسالته لا تشملنا) فردّت عليهم الآية مورد البحث في أوّل بيان لها بأنّ رسالته قد اشير إليها في كتابكم السماوي لو أنّكم قرأتموه وعملتم به. يقول تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمّلُوا التَّوْرَيةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا). أي نزلت عليهم التوراة وكلّفوا بالعمل بها ولكنّهم لم يؤدّوا حقّها ولم يعملوا بآياتها فمثلهم (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا).
لقد إقتنع هؤلاء القوم بتلاوة التوراة واكتفوا بذلك دون أن يعملوا بموجبها.