وهذا نفس الكلام الذي أطلقه عبد الله بن ابي ، ويريدون من ورائه أنّهم أهل المدينة الأصليّون الذين سيخرجون منها الرسول وأصحابه من المهاجرين ، بعد عودتهم من غزوة بني المصطلق التي مرّت الإشارة إليها.
ورغم أنّ هذا الحديث صدر عن رجل واحد ، لكنه كان لسان حال المنافقين جميعاً ، وهذا ما جعل القرآن يعبّر عنهم بشكل جماعي يقولون ... فيردّهم ردّاً حازماً ، إذ يقول : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَايَعْلَمُونَ).
ولم يكن منافقو المدينة وحدهم الذين رووا هذا الكلام ، بل سبقهم إلى ذلك رؤساء قريش عندما قالوا : (سينتهي أمر هذه المجموعة القليلة الفقيرة من المسلمين إذا حاصرناهم إقتصادياً أو أخرجناهم من مكة).
وهكذا نرى اليوم الدول المستكبرة وهي تحذّر الشعوب التي ترفض الخضوع لسيطرتها ، بأنّها تملك الدنيا وخزائنها ، فإن لم تخضع لها تحاصرها اقتصادياً لتركيعها.
وهؤلاء هم الذين طبع على قلوبهم واتّخذوا منهجاً واحداً على مدى التاريخ ، وظنّوا أنّ ما لديهم باق ، ولم يعلموا أنّ الله قادر على إزالته وإزهاقه بلمحة بصر.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (١١)
لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم : إنّ حبّ الدنيا والتكالب على الأموال والإنشداد إلى الأرض ، من الأسباب المهمة التي تدفع باتّجاه النفاق ، وهذا ما جعل القرآن يحذّر المؤمنين من مغبّة الوقوع في هذه المصيدة الخطيرة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَاتُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
ورغم أنّ الأموال والأولاد من النعم الإلهية التي يستعان بها على طاعة الله وتحصيل رضوانه ، لكنّها يمكن أن تتحول إلى سدّ يحول بين الإنسان وخالقه إذا ما تعلق به الإنسان بشكل مفرط.