عاتبه قومه وعنّفوه وتوعدوه (١).
التّفسير
علامات اخرى للمنافقين : تأتي هذه الآيات لتكمّل توضيح علامات المنافقين التي بدأتها الآيات التي سبقتها. يقول تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُّسْتَكْبِرُونَ).
إنّ حبّ المنافقين لأنفسهم وعبادتهم لذواتهم ، جعلتهم أبعد ما يكونون عن الإسلام الذي يعني التسليم والرضا والاستسلام الكامل للحق.
«لوّوا : من مادة لي وهي في الأصل بمعنى برم الحبل ، وتأتي أيضاً بمعنى إمالة الرأس وهزّه إعراضاً واستكباراً.
ومن أجل أن لا يبقى هناك أي إبهام أو التباس قال تعالى : (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
إنّ استغفار النبي تؤثّر حينما يتوبون بصدق وإخلاص ، ويستسلمون للحقّ ، هنالك يؤثّر استغفار الرسول وتقبل شفاعته.
والمقصود من الفسّاق ، هم تلك المجموعة من الفسّاق أو المذنبين الذين يصرّون على ذنوبهم ويركبون رؤوسهم.
والشاهد الآخر الذي يذكره القرآن كعلامة لهم واضحة جدّاً ، هو قوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَاتُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنفَضُّوا). فلا تعطوا المسلمين شيئاً من أموالكم وإمكاناتكم لكي يتفرقوا عن رسول الله.
(وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَايَفْقَهُونَ).
إنّ هؤلاء فقدوا الوعي والبصيرة ، ولم يعرفوا أنّ كل ما لدى الناس إنّما هو من الله. وأن تقاسم الأنصار لأموالهم مع المهاجرين إنّما هو من دواعي الإفتخار والإعتزاز ، ولا ينبغي أن يمنّوا به على أحد.
ثم يقول تعالى في إشارة اخرى إلى مقالة اخرى سيّئة من مقالاتهم : (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ).
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٢ / ٨١.