سبب النّزول
ذكرت كتب التاريخ والتفسير سبباً مسهباً لنزول هذه الآيات ، وجاء في الكامل في التاريخ : أنّه بعد غزوة بني المصطلق إزدحم الناس على الماء ، وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له : جهجاه ، فازدحم هو وسنان الجهني حليف بني عوف من الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين. فغضب عبد الله بن أبي سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث السنّ فقال : أو قد فعلوها؟ قد كاثرونا في بلادنا ، أما والله (لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) ، ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم ببلادكم وقاسمتموهم أموالكم ، والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم ، فسمع ذلك زيد فمشى به إلى النبي صلىاللهعليهوآله وذلك عند فراغ رسول الله صلىاللهعليهوآله من غزوه ، فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله مُرْ به عبّاد بن بشر فليقتله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كيف إذا تحدّث الناس أنّ محمّداً يقتل أصحابه؟ ولكن أذن بالرحيل. فارتحل في ساعة لم يكن يرتحل فيها ليقطع ما الناس فيه ، فلقيه أسيد بن حضير فسلّم عليه وقال : يا رسول الله ، لقد رحت في ساعة لم تكن تروح فيها؟ فقال : أو ما بلغك ما قال عبد الله بن ابي؟ قال : وماذا قال؟ قال : زعم إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذل. قال أسيد : فأنت والله تُخرجُه إن شئت ، فإنّك العزيز وهو الذليل.
ثم قال : يا رسول الله ، ارفق به فوالله لقد منّ الله بك وإنّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه ، فإنّه ليرى أنّك قد استلبته ملكاً. وسمع عبد الله بن ابي أنّ زيداً أعلم النبي صلىاللهعليهوآله قوله فمشى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلّمت به ، وكان عبد الله في قومه شريفاً ، فقالوا : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أخطأه. وأنزل الله : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) تصديقاً لزيد ، فلما نزلت أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله باذن زيد وقال : هذا الذي أوفى الله باذنه. وبلغ عبد الله بن أبي سلول ما كان من أمر أبيه ، فأتى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله! بلغني أنّك تريد قتل أبي ، فإن كنت فاعلاً فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، وأخشى أن تأمر غيري بقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله ، فأقتل مؤمناً بكافر فأدخل النار. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا ، فكان بعد ذلك إذا أحدث حدثاً