والظاهر أنّ الآية ـ مورد البحث ـ تتعرض للمجموعة الثانية.
وتشبه هذه الآية (٧٤) من سورة التوبة التي تقول : (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلمِهِمْ).
فإنّ عدم قدرتهم على إدراك الحقائق الواضحة تعتبر علامة ثالثة من علامات نفاقهم.
وتوضّح الآية اللاحقة علامات المنافقين بشكل أكثر وضوحاً ، إذ يقول تعالى : (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ) فهم يتمتعون بظواهر جميلة وأجسام لطيفة.
(وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لأنّه ينطوي على شيء من التحسين والعذوبة.
وفي الوقت الذي يتأثّر الرسول بحديث بعضهم ـ كما يبدو من ظاهر التعبير ـ فكيف بالآخرين؟!
هذا فيما يخصّ ظاهرهم ، أمّا باطنهم ف (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ).
فأجسامهم خالية من الروح ، ووجوههم كالحة ، وكيانهم خاوٍ منخور من الداخل ، ليس لهم أيّة إرادة ولا يتمتعون بأيّة استقلالية (كالأخشاب المسنّدة) المكدّسة.
وكان هؤلاء يتميّزون بالضعف والخواء في داخلهم ، لا يعرفون التوكل والاعتماد على الله ولا على أنفسهم ، فهم كما يصفهم القرآن الكريم في آية اخرى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ).
يسيطر عليهم الخوف والرعب وسوء الظن ، وتغمر أرواحهم النظرة السوداء السيّئة ... تجدهم في خوف دائم من ظلمهم وخيانتهم.
وقد نبّه القرآن الكريم في نهاية الآية قائلاً : (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ). أي : هم الأعداء الواقعيون.
ويضيف : (قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). أي : كيف ينحرفون عن الحق.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (٨)