إنّ لي ذنوباً ، وإنّي أطلب بما أصنع رضى الله وأرجو عفوه. فقال له عبدالله : أعطني ناقتك ، وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها. فأعطاه ، وأشهد عليه ، وأمسك عن الصدقة. فنزلت الآيات.
وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وكان قد اتبع رسول الله صلىاللهعليهوآله على دينه ، فعيره بعض المشركين ، وقالوا : تركت دين الأشياخ وظلتهم ، وزعمت أنّهم في النار؟ قال : إنّي خشيت عذاب الله. فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه ، أن يتحمل عنه عذاب الله ، ففعل. فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ، ثم بخل ، ومنعه تمام ما ضمن له ، فنزلت الآيات.
التّفسير
كان الكلام في الآيات السابقة في أن يجزي الله تعالى من أساء بإساءته ويثيب المحسنين بإحسانهم ... وبما أنّه من الممكن أن يتصور أن يعذّب أحد بذنب غيره أو أن يتحمل أحد وزر غيره ، فقد جاءت هذه الآيات لتنفي هذا التوهم في المقام ، وبيّنت هذا الأصل الإسلامي المهم أنّ كلّاً يرى نتيجة عمله ، فقالت أوّلاً : (أَفَرَءَيْتَ الَّذِى تَوَلَّى). أي تولّى من الإسلام أو الإنفاق. (وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى) (١). بمعنى أنّه أنفق القليل ثم إمتنع وأمسك وهو يظنّ أنّ غيره سيحمل وزره يوم القيامة ..
(أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى). فأيّ رجل جاءهم من الغيب والقيامة فأخبرهم بأنّه يمكن أخذ الرشوة وتحمّل آثام الآخرين؟
وبعد هذا تأتي الآية الاخرى لتبيّن إعتراض القرآن الشديد على ذلك ، وبيان لأصل كلي مطّرد في الأديان السماوية كلها فتقول : تُرى أهذا الذي إمتنع عن الإنفاق وآمن بالوعود الخيالية ، ويريد أن يخلص نفسه من عذاب الله بإنفاقه اليسير والزهيد من أمواله ، أتغنيه هذه الخيالات والتصورات : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرهِيمَ الَّذِى وَفَّى) (٢).
«إبراهيم : هو ذلك النبي العظيم الذي أدّى حق رسالة الله ، وبلّغ ما أمره به ووفي بجميع عهوده ومواثيقه ، ولم يخش تهديد قومه وطاغوت زمانه ، ذلك الإنسان الذي بذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للُاخوان.
ثم تأتي الآية الاخرى لتقول : (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
__________________
(١) أكدى : مأخوذ من الكدية ومعناه الصلابة ، ثم أطلق على من يمسك والبخيل.
(٢) وفّى : مصدره توفية معناه البذل والأداء التامّ ..