«أغنى : فعل مشتق من غني ومعناه عدم الحاجة ؛ وأقنى : فعل مشتق من قنية على وزن جِزية ، ومعناها الأموال التي يدّخرها الإنسان. فيكون معنى الآية على هذا النحو : هو أغنى أي رفع الحاجات الفعلية ، وأقنى معناه إيلاء المواهب التي تدخّر سواء في الامور المادية كالحائط أو البستان والأملاك وما شاكلها ، أو الامور المعنوية كرضا الله سبحانه الذي يُعدّ أكبر رأس مال دائم.
أمّا آخر آية من الآيات محل البحث فتقول : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشّعْرَى).
تخصيص القرآن الشعرى النجم المعروف في السماء بالذكر ، بالإضافة إلى أنّه أكثر النجوم لمعاناً ويطلع عند السحر في مقربة من الجوزاء مما يلفت النظر تماماً ... فإنّ طائفةً من المشركين العرب كانت تعبده ، فالقرآن يشير إلى أنّ الأولى بالعبادة هو الله لأنّه ربّ الشعرى وربّكم.
(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى (٥٠) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) (٥٥)
ألا تكفي دروس العبرة هذه : هذه الآيات ـ كالآيات المتقدمة ـ تستكمل المسائل المذكورة في الصحف الاولى وما جاء في صحف إبراهيم وموسى.
وكانت الآيات المتقدمة قد ذكرت عشر مسائل ضمن فصلين :
الأوّل : كان ناظراً إلى مسؤولية كل إنسان عن أعماله.
الثاني : ناظر إلى إنتهاء جميع الخطوط والحوادث إلى الله سبحانه. أمّا الآيات محل البحث فتتحدث عن مسألة واحدة ـ وإن شئت قلت ـ تتحدث عن موضوع واحد ذلك هو مجازاة أربع امم من الامم المنحرفة الظالمة وإهلاكهم ، وفي ذلك إنذار لُاولئك الذين يلوون رؤوسهم عن طاعة الله ولا يؤمنون بالمبدأ والمعاد.
فتبدأ الآية الاولى من الآيات محل البحث فتقول : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى).
وصف عاد ب الاولى إمّا لقدمها حتى أنّ العرب تطلق على كل قديم أنّه عاديّ أو لوجود امّتين في التاريخ باسم عاد والامّة المعروفة التي كانت نبيّها هود عليهالسلام تُدعى ب عاد الاولى.
ويضيف القرآن في الآية التالية قائلاً : (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى).