الكافرين والمؤمنين ، فإنّ الله تعالى يصوّر لنا ـ في أوّل آية من هذه الآيات ـ حالة هاتين المجموعتين ضمن تصوير رائع ولطيف ، حيث يقول تعالى : (أَفَمَن يَمْشِى مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
فهنا شبه المعاندين والمغرورين كمن يسير في جادّة متعرّجة غير مستوية كثيرة المنعطفات وقد وقع على وجهه ، يحرّك يديه ورجليه للإهتداء إلى سبيله ، لأنّه لا يبصر طريقه جيّداً ، وليس بقادر على السيطرة على نفسه ، ولا بمطّلع على العقبات والموانع ، وليست لديه القوّة للسير سريعاً ، وبذلك يتعثّر في سيره ... يمشي قليلاً ثم يتوقّف حائراً.
كما شبّه المؤمنين برجال منتصبي القامات ، يسيرون في جادّة مستوية ومستقيمة ليس فيها تعرّجات واعوجاج ، ويمشون فيها بسرعة ووضوح وقدرة ووعي وعلم وراحة تامّة.
إنّه ـ حقّاً ـ لتشبيه لطيف فذّ ، حيث إنّ آثار هذين السبيلين واضحة تماماً ، وإنعكاساتها جليّة في حياة هذين الفريقين ، وذلك ما نلاحظه بامّ أعيننا.
ثم يوجّه الله تعالى الخطاب إلى الرسول صلىاللهعليهوآله في الآية اللاحقة فيقول : (قُلْ هُوَ الَّذِى أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ).
إنّ الله تعالى جعل لكم وسيلة للمشاهدة والإبصار (العين) وكذلك وسيلة وقناة للإطّلاع على أفكار الآخرين ومعرفة وجهات نظرهم من خلال الاستماع (الإذن) ثم وسيلة اخرى للتفكر والتدبر في العلوم والمحسوسات واللامحسوسات (القلب).
وخلاصة الأمر إنّ الله تعالى قد وضع جميع الوسائل اللازمة لكم لتتعرفوا على العلوم العقلية والنقلية ، إلّاأنّ القليل من الأشخاص من يدرك هذه النعم العظيمة ويشكر الله المنعم ، حيث إنّ شكر النعمة الحقيقي يتجسّد بتوجيه النعمة نحو الهدف الذي خلقت من أجله ، تُرى من هو المستفيد من هذه الحواس (العين والاذن والعقل) بصورة صحيحة في هذا الطريق؟
ثم يخاطب الرسول مرّة اخرى حيث يقول تعالى : (قُلْ هُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
إنّ الآيات أعلاه يؤكّد على أنّ السير يجب أن يكون في الطريق المستقيم ، والصراط الواضح المتمثّل بالإسلام والإيمان ، وبذل الجهد للاستفادة من جميع وسائل المعرفة بهذا الإتّجاه ، والتحرّك نحو الحياة الخالدة.