ثم يستعرض سبحانه قول المشركين في هذا المجال والردّ عليهم ، فيقول تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).
ويجيبهم الله سبحانه على تساؤلهم هذا بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ).
ولابدّ أن يكون الجواب بهذه الصورة ، حيث إنّ تحديد تأريخ يوم القيامة إن كان بعيداً فإنّ الناس سيغرقون بالغفلة ، وإن كان قريباً فإنّهم سيعيشون حالة الهلع والاضطراب ، وعلى كل حال فإنّ الأهداف التربوية تتعطّل في الحالتين.
ويضيف في آخر آية من هذه الآيات بأنّ الكافرين حينما يرون العذاب والوعد الإلهي من قريب تسودّ وجوههم : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا). فسيماهم طافحة بآثار الحزن والندم : (وَقِيلَ هذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ).
«تدّعون : من مادة دعاء يعني أنّكم كنتم تدعون وتطلبون دائماً أن يجيء يوم القيامة ، وها هو قد حان موعده ، ولا سبيل للفرار منه.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (٣٠)
إنّ الآيات أعلاه ، التي هي آخر آيات سورة الملك ، تبدأ جميعها بكلمة (قل) مخاطبة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، حيث أنّها تمثّل استمراراً للأبحاث التي مرّت في الآيات السابقة حول الكفار ، وتعكس هذه الآيات الكريمة جوانب اخرى من البحث.
يخاطب الباريء عزوجل ـ في البداية ـ الأشخاص الذين يرتقبون وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله وأصحابه ، ويتصوّرون أنّ بوفاته سوف يمحى دين الإسلام وينتهي كل شيء ، وهذا الشعور كثيراً ما ينتاب الأعداء المخذولين إزاء القيادات القويّة والمؤثّرة. يقول تعالى مخاطباً إيّاهم : (قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِىَ اللهُ وَمَن مَّعِىَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
ورد في بعض الروايات أنّ كفّار مكة ، كانوا دائماً يسبّون الرسول صلىاللهعليهوآله والمسلمين ، وكانوا يتمنّون موته ظنّاً منهم أنّ رحيله سينهي دعوته كذلك ، لذا جاءت الآية أعلاه ردّاً عليهم.