إليه الزوجة والأولاد ، فهم يقولون : لقد كنّا نصدقهم بحسن ظنّنا بهم ونقول بمقالتهم الخاطئة ، وما كنّا نظنهم يتجرؤون على الله بهذه الأكاذيب ، ولكنّنا الآن نخطّىء هذا التقليد المزيف لما عرفنا من الحق والإيمان بالقرآن ، ونقرّ بما التبس علينا ، بانحراف المشركين من الجن.
ثم ذكروا إحدى الإنحرافات للجن والإنس وقالوا : (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مّنَ الْجِنّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا).
«رهق : على وزن (شفق) ويعني غشيان الشيء بالقهر والغلبة ، وفُسّر بالضلال والذنب والطغيان والخوف الذي يسيطر على روح الإنسان وقلبه ويغشيه.
فإنّ للآية مفهوماً واسعاً ، يشمل جميع أنواع الإلتجاء إلى الجن ، والخرافة المذكورة هي مصداق من مصاديقها ، وكان في أوساط العرب كهنة كثيرون يعتقدون أنّ الجن باستطاعتهم حلّ الكثير من المشاكل وإخبارهم بالمستقبل.
(وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً (٧) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً (٩) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (١٠)
يشير سياق الآية إلى استمرار حديث المؤمنين من الجن ، وتبيان الدعوة لقومهم ، ودعوتهم إلى الإسلام بالطرق المختلفة ، فيقولون : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا).
لذا تبادروا لإنكار القرآن وتكذيب نبوّة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ولكنّنا عند سماعنا لآيات القرآن أدركنا الحقائق ، فلا تكونوا كالإنس وتتخذوا طريق الكفر فتبتلوا بما ابتلوا به.
وهذا تحذير للمشركين ليفيقوا عند سماعهم لكلام الجن وتحكيمهم وليتمسكوا بالقرآن وبالنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله.
ثم يشيرون إلى علامة صدق قولهم وهو ما يدركه الجن في عالم الطبيعة ، فيقولون : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) (١).
__________________
(١) لمسنا : من لمس ، وتعني هنا الطلب والبحث ؛ وحرس : على وزن قفص ، جمع حارس ، وقيل اسم جمع لحارس ، وتعني الشديد الحفاظ.