وكنّا في السابق نسترق السمع من السماء ونحصل على أخبار الغيب ونوصلها إلى أصدقائنا من الإنس ولكنّنا منعنا من ذلك الآن : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْأَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا). أليس هذا الوضع الجديد دليل على حقيقة التغيير العظيم الحاصل في العالم عند ظهور الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وكتاب الله السماوي ، لماذا كانت لكم القدرة على استراق السمع والآن سلبت منكم هذه القدرة؟ أليس معنى هذا انتهاء عصر الشيطنة والكهانة والخداع ، وانتهاء ظلمة الجهل بشروق شمس الوحي والنبوّة.
ثم قالوا : (وَأَنَّا لَانَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدُ بِمَن فِى الْأَرْضِ أَم أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا). أي : مع كل هذا فإنّنا لا ندري أكان هذا المنع من استراق السمع دليل على مكيدة تراد بأهل الأرض ، أم أراد الله بذلك المنع أن يهديهم ، وبعبارة اخرى أنّنا لا ندري هل هذا هو مقدمة لنزول البلاء والعذاب من الله ، أم مقدمة لهدايتهم ، ولكن لا يخفى على مؤمني الجن أنّ المنع من استراق السمع الذي تزامن مع ظهور نبيّنا الأكرم صلىاللهعليهوآله هو مقدمة لهداية البشرية ، وانحلال جهاز الكهانة والخرافات الاخرى ، وليس هذا إلّاانتهاءً لعصر الظلام ، وابتداء عصر النور.
ومع هذا ، فإنّ الجن ولعلاقتهم الخاصة بمسألة استراق السمع لم يكونوا يصدقون بما في ذلك المنع من خير وبركة ، وإلّا فمن الواضح أنّ الكهنة في العصر الجاهلي كانوا يستغلون هذا العمل في تضليل الناس.
(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً)(١٥)
في هذه الآيات يستمر مؤمنو الجن في حديثهم وهم يبلغون قومهم الضالين فيقولون : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا).
ويحتمل أن يكون المراد من قولهم هذا هو أنّ وجود إبليس فيما بينهم قد أوجد شبهة لبعضهم ، بأنّ الجن متطبّع على الشرّ والفساد والشيطنة ، ومحال أن يشرق نور الهداية في قلوبهم.