ولكن مؤمني الجن يوضحون في قولهم هذا أنّهم يملكون الإختيار والحرية ، وفيهم الصالح والطالح ، وهذا يوفرّ لهم الأرضية للهداية.
ولهذه الآية تأثير في إصلاح ما اشتبه علينا نحن البشر في عقائدنا حول الجن ، لأنّ كثير من الناس يتصورون أنّ لفظة الجن تعني الشيطنة والفساد والضلال والإنحراف ، وسياق هذه الآية يشير إلى أنّ الجن فصائل مختلفة ، صالحون وطالحون.
وفي إدامة حديثهم يحذرون الآخرين فيقولون : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللهَ فِى الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا). وإذا كنتم تتصورون أنّكم تستطيعون الفرار من الجزاء وتلتجئون إلى زاوية من زوايا الأرض أو نقطة من نقاط السماوات فإنّكم في غاية الخطأ.
وأضاف مؤمنو الجن في حديثهم قائلين : (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ءَامَنَّا بِهِ). وإذ ندعوكم لهدى القرآن فإنّنا ممّن عمل بذلك أوّلاً ، ولذا نحن لا ندعو الآخرين إلى أمر لم نكن فاعليه.
ثم بيّنوا عاقبة الإيمان فقالوا : (فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا).
إنّ المؤمنين مهما يعملوا من عمل كبيراً كان أو صغيراً فإنّهم يستوفون اجور ذلك بلا نقص أو قلّة.
وفي الآية الاخرى توضيح أكثر حول عاقبة المؤمنين والكافرين فيقولون : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا القَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) (١).
(وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
والتعبير ب (تَحَرَّوْا رَشَدًا) يشير إلى أنّ المؤمنين إنّما يتوجهون إلى الهدى بالتحقيق والتوجه الصادق ، وجزاءهم الأوفى هو نيلهم الحقائق التي بظلها ينالون النعم الإلهية.
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (١٩)
الفتنة باغداق النعمة : إنّ سياق الآيات السابقة يشير إلى ثواب المؤمنين في يوم القيامة ،
__________________
(١) القاسط : من أصل قسط وتعني التقسيم العادل ؛ فإن أتت على وزن (أفعال) ، (أقساط) فإنّها تعني إجراء العدالة ، وإذا استعملت بصورة الثّلاثي المجرّد كما في هذه الآية فإنّها تعطي معنى الظلم والانحراف عن سبيل الحق ؛ وتحروا : من أصل تحرى وتعني توخّاه وقصده.