بحثان
١ ـ تحقيق موسّع حول علم الغيب : من خلال التمعن في الآيات المختلفة للقرآن الكريم يتّضح لنا أنّ الآيات المتعلقة بعلم الغيب قسمان :
(القسم الأوّل :) ما يتعلق بذاته جلّ شأنه ولا يعلمه إلّاهو ، كما في الآية (٥٩) من سورة الأنعام : (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَايَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ). والآية (٥٠) من سورة الأنعام : (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ).
(القسم الثاني :) يطرح بوضوح إطّلاع أولياء الله على الغيب ، كما في الآية (١٧٩) من سورة آل عمران : (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ).
ونقرأ في معاجز المسيح عليهالسلام كما في الآية (٤٩) من سورة آل عمران : (وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ).
والآية السابقة مورد البحث أيضاً تشير إلى أنّ الله تعالى يهب العلم لمن يرتضيه من رسله ، ومن جهة اخرى فإنّ الآيات التي تشمل الأخبار الغيبية ليست بقليلة. كالآيات (٢ ـ ٤) من سورة الروم : (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِى بِضْعِ سِنِينَ).
ومن المعروف أنّ الوحي السماوي الذي يهبط على الرسل هو نوع من الغيب الذي أطلعهم الله عليه ، فكيف يمكن أن ننفي إطّلاعهم بالغيب في الوقت الذي يهبط عليهم الوحي.
بالإضافة إلى ذلك كله فإنّ هناك روايات كثيرة تدل على أنّ النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة المعصومين عليهمالسلام مطّلعون على الغيب ، ويخبرون به أحياناً.
وكذلك إخباره صلىاللهعليهوآله بحوادث معركة مؤتة ، واستشهاد جعفر الطيار رضى الله عنه وبعض القادة المسلمين ، في الوقت الذي كان الرسول صلىاللهعليهوآله يطلع الناس على ذلك في المدينة (١). والأمثلة على ذلك ليست قليلة في حياة النبي صلىاللهعليهوآله.
وورد في نهج البلاغة أيضاً أخبار كثيرة سابقة لأوانها تشير إلى حوادث مستقبلية ، أخبر عنها أمير المؤمنين عليهالسلام ، ممّا يدل على اطّلاعه بأسرار الغيب ، كما جاء في الخطبة (١٣) في
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٢ / ١١٢ (ذكر غزوة مؤتة).