بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) (٥)
يشير سياق الآيات كما بيّنا إلى دعوة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله للإستقامة والإستعداد لقبول مهمة كبيرة وثقيلة ، وهذا لا يتمّ إلّابالبناء المسبق للذات ، فيقول : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمّلُ * قُمِ الَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً) (١). إنّ هذا ليس زمان التزمل والإنزواء ، بل زمان القيام والبناء الذاتي والإستعداد لأداء الرسالة العظيمة.
واختيار الليل لهذا العمل أوّلاً : لأنّ أعين الأعداء نائمة ؛ وثانياً : تتعطل الأعمال والمكاسب ، ولهذا فإنّ الإنسان يستعد للتفكر ولتربية النفس.
وكذلك اختيار القرآن لأن يكون المادة الاولى في البرنامج العبادي في الليل إنّما هو لإقتباس الدروس اللازمة في هذا الباب ، وهو يعدّ من أفضل الوسائل لتقوية الإيمان والإستقامة والتقوى وتربية النفوس.
والتعبير بالترتيل الذي يراد به التنظيم والترتيب الموزون هنا هو القراءة بالتأني والإنتظام اللازم ، والأداء الصحيح للحروف ، وتبيين الحروف ، والتأمل في مفاهيم الآيات ، والتفكر في نتائجها. والروايات التي وردت في تفسير الترتيل كلّها تشير إلى ضرورة التمعن في كلمات القرآن ، والتدبّر فيها وتذكر بأنّ القرآن هو خطاب الله تعالى للإنسان.
ولكن وللأسف إنّ الكثير من المسلمين ابتعدوا عن هذا الواقع ، واكتفوا بالتلفظ وغدا همّهم ختمه ، من دون الإهتمام بمعرفة سبب نزوله ومحتواه! صحيح أنّ ألفاظ القرآن عظيمة ولقراءتها فضيلة ، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنّ هذه الألفاظ وتلاوتها هي مقدمة لبيان المحتوى.
في الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : إذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها وسل الله عزوجل الجنة ، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوذ بالله من النار.
ثم يبيّن الهدف النهائي لهذا الأمر المهم والشاق فيقول : (إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً).
__________________
(١) مزّمل : أصلها متزمل ، وهي من التزمل ، وتعني لف الثوب على نفسه ، ولهذا جاء لفظ الزميل ، أي المصاحب والرفيق.