ولكنّه كفر بما أنعم الله عليه وهو بذلك يريد المزيد : (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ). وليس هذا منحصراً بالوليد ، بل إنّ عبيد الدنيا على هذه الشاكلة أيضاً ، فلن يروى عطشهم مطلقاً ، ولو أعطوا الأقاليم السبعة لما اكتفوا بذلك.
والآية الاخرى تردع الوليد بشدّة ، يقول تعالى : (كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِأَيَاتِنَا عَنِيدًا).
ومع أنّه كان يعلم أنّ هذا القرآن ليس من كلام الجن أو الإنس ، بل متجذر في الفطرة ، وله جاذبية خاصة وأغصان مثمرة ، فكان يعاند ويعتبر ذلك سحراً ومظهره ساحراً.
«العنيد : من العناد وقيل هو المخالفة والعناد مع المعرفة ، أي أنّه يعلم بأحقّية الشيء ثم يخالفه عناداً ، والوليد مصداق واضح لهذا المعنى.
وأشار في آخر آية إلى مصيره المؤلم ، فيقول تعالى : (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا).
«سارهقه : من الإرهاق وهو غشيان الشيء بالعنف ، وتعني أيضاً فرض العقوبات الصعبة ، جاء بمعنى الإبتلاء بأنواع العذاب ، والصعود ، إشارة إلى ما سيناله من سوء العذاب ، ويستعمل في العمل الشاق.
ويحتمل أن يراد به العذاب الدنيوي للوليد بن المغيرة. قال مقاتل : ما زال الوليد بعد نزول الآية في نقص من ماله وولد حتى هلك (١).
(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقَالَ إِنْ هذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (٢٥)
(فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ :) في هذه الآيات توضيحات كثيرة عمّن أعطاه الله المال والبنين وخالف بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله. أي الوليد بن المغيرة. يقول تعالى : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ).
«قدّر : من التقدير ، وهو التهيؤ لنظم أمر في الذهن والتصميم على تطبيقه.
ثم يضيف في مذمته : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ).
بعدئذ يؤكّد ذلك فيضيف : (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ). وهذا إشارة لما قيل في سبب النّزول حيث كان يرى توحيد الأقوال فيما يقذف به الرسول صلىاللهعليهوآله.
فإنّ تكرار المعنى في الآيتين دليل على دهاء الوليد في تفكره الشيطاني ، ولذا كانت شدّة تفكره سبباً للتعجب.
__________________
(١) تفسير المراغي ٢٩ / ١٣١.