بعدئذ يضيف الله تعالى : (ثُمَّ نَظَرَ). أي نظر بعد التفكر والتقدير نظرة من يريد أن يقضي في أمر مهمّ ليطمئن من استحكامه وانسجامه : (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ).
بهذه الأقوال يظهر عداءه للقرآن المجيد ، وذلك بعد تفكره الشيطاني ، وبقوله هذا صار يمدح القرآن من حيث لا يدري ، إذ أشار إلى جاذبية القرآن الخارقة وتسخيره للقلوب.
على كل حال هو إقرار ضمني بإعجاز القرآن. وليس للقرآن أي علاقة وتشبيه بأعمال السحرة ، فهو كلام رصين عميق المعاني وجذاب لا نظير له كما يقول الوليد ، فإنّه ليس من كلام البشر ، وإن كان كذلك لكانوا قد أتوا بمثله ، وهذا ما دعا إليه القرآن كراراً.
(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (٢٧) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠)
المصير المشؤوم : في هذه الآيات بيان للعقوبات المؤلمة لمن أنكر القرآن والرسالة ، وكذب النبي صلىاللهعليهوآله وهو ما أشارت إليه الآيات السابقة فيقول الله تعالى : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ).
«سقر : في الأصل من سقر على وزن فقر ، بمعنى التغير والذوبان من أثر حرارة الشمس ، هو من أحد أسماء جهنم ، كثير ما ذكر في القرآن.
ثم يبيّن عظمة وشدّة عذاب النار فيقول : (وَمَا أَدْرَيكَ مَا سَقَرُ). أي إنّ العذاب يكون شديداً إلى حدّ يخرج عن دائرة التصور ، ولا يخطر على بال أحدٍ ، كما هو الحال في عدم إدراك عظمة النعم الإلهية في الجنان.
(لَا تَبْقَى وَلَا تَذَرُ). قد تكون هذه الآية إشارة إلى أنّ نار جهنم بخلاف نار الدنيا التي ربّما تركت بعض ما ألقي فيها ولم تحرقه ، وإذا نالت إنساناً مثلاً نالت جسمه وصفاته الجسمية وتبقى روحه وصفاته الروحية في أمان منها ، وأمّا سقر فلا تدع أحداً ممن ألقي فيها إلّا نالته واحتوئه بجميع وجوده ، فهي نار شاملة تستوعب جميع من القي فيها.
ثم ينتقل إلى بيان وصف آخر للنار المحرقة فيضيف : (لَوَّاحَةٌ لّلْبَشَرِ).
إنّها تجعل الوجه مظلماً أسود أشد سواداً من الليل.
«بشر : جمع بشرة ، وتعني الجلد الظاهر للجسد.
«لوّاحة : من مادة لوح وتعني أحياناً الظاهر ، وأحياناً بمعنى التغيير ، ويكون المعنى