بمقتضى التّفسير الأوّل : (أنّ جهنم ظاهرة للعيان).
كما جاء في الآية (٣٦) من سورة النازعات : (وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى). وبمقتضى التفسير الثاني يكون المعنى : أنّها تغير لون الجلود.
وفي آخر آية من آيات مورد البحث يقول تعالى : (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ).
إنّهم ليسوا مأمورين بالرحمة والشفقة ، بل إنّهم مأمورين بالعذاب والغلظة ، وأمّا الآية الاخرى التي تليها فإنّها تشير إلى أنّ هذا العدد هم ملائكة العذاب.
ومن هنا يتّضح ضعف وعجز أفكار اناس من قبيل أبي جهل. في تفسير مجمع البيان : قالوا : ولما نزلت هذه الآية قال أبوجهل لقريش : ثكلتكم امهاتكم أتسمعون ابن أبي كبشة يخبركم أنّ خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدّهم الشجعان أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟ فقال أبو الأسد الجمحي : أنا أكفيكم سبعة عشر : عشرة على ظهري وسبعة على بطني فاكفوني أنتم اثنين.
(وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَا ذَا أَرَادَ اللهُ بِهذَا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) (٣١)
لِمَ هذا العدد من أصحاب النار : ذكر الله سبحانه وتعالى كما قرأنا في الآيات السابقة عدد خزنة جهنم ومأموريها وهم تسعة عشر نفراً (أو مجموعة) ، وكذا قرأنا أنّ ذكر هذا العدد صار سبباً للحديث بين أوساط المشركين والكفار ، واتّخذ بعضهم ذلك سخرية ، وظنّ القليل منهم أنّ الغلبة على اولئك ليس أمراً صعباً ، الآية أعلاه والتي هي أطول آيات هذه السورة تجيب عليهم وتوضح حقائق كثيرة في هذا الصدد. فيقول تعالى أوّلاً : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلِكَةً) (١). ملائكة أقوياء مقتدرون وكما يعبّر القرآن غلاظ ، شداد ، قساة ، في مقابل المذنبين بجمعهم الغفير وهم ضعفاء عاجزون.
__________________
(١) أصحاب النار : ذكرت هذه العبارة في كثير من آيات القرآن وكلّها تعني الجهنميين ، إلّافي هذا الموضع فإنّهابمعنى خزنة جهنم ، وذكر هذه العبارة يشير إلى أنّ كلمة سقر في الآيات السابقة تعني جهنم بكاملها وليس قسماً خاصّاً منها.