كثيرون جدّاً أنّ الروايات تصفهم أنّهم يملؤون السماوات والأرض.
أوّل خطبة في نهج البلاغة للإمام علي عليهالسلام حول هذا الموضوع حيث يقول : ثم فتق ما بين السماوات العلا ، فملأهنّ أطواراً من ملائكته ، منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافون لا يتزايلون ، ومسبحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان ، ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره ، ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لأبواب جنانه ، ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة ، وأستار القدرة ، لا يتوهمون ربّهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدّونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر.
(كَلَّا وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (٣٧)
استمراراً للبحث مع المنكرين لنبوّة الرسول صلىاللهعليهوآله واليوم الآخر تؤكّد الآيات التالية في أقسام عديدة على مسألة القيامة والجحيم وعذابها ، فيقول تعالى : (كَلَّا وَالْقَمَرِ).
وأقسم بالقمر لأنّه إحدى الآيات الإلهية الكبرى ، لما فيه من الخلقة والدوران المعظم والنور والجمال والتغييرات التدريجية الحاصلة فيه لتعيين الأيام باعتباره تقويماً حيّاً كذلك.
ثم يضيف : (وَالَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ). (وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ) (١).
والليل وإن كان باعثاً على الهدوء والظلام وعنده سرّ عشاق الليل ، ولكن الليل المظلم يكون جميلاً عندما يدبر ويتجه العالم نحو الصبح المضيء وآخر السحر ، وطلوع الصبح المنهي للّيل المظلم أصفى وأجمل من كل شيء حيث يثير في الإنسان النشاط ويجعله غارقاً في النور والصفاء.
هذه الأقسام الثلاثة تتناسب ضمنياً مع نور الهداية (القرآن) واستدبار الظلمات
__________________
(١) أسفر : من مادة سفر على وزن (قفر) ويعني انجلاء الملابس وانكشاف الحجاب ، ولذا يقال للنساء المتبرجات (سافرات) وهذا التعبير يشمل تشبيهاً جميلاً لطلوع الشمس.