القيامة ، وكذلك تبيّن علل إنكار المعاد فيقول تعالى : (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ). فليس الأمر كما يتصور من أنّ دلائل المعاد خفيّة ولا يمكنكم الاطّلاع عليها ، بل إنّكم عشقتم الدنيا. ولهذا السبب تركتم الآخرة : (وَتَذَرُونَ الْأَخِرَةَ).
إنّ الشك في قدرة الله تعالى وجمع العظام وهي رميم ليس هو الدافع لإنكار المعاد ، بل إنّ حبّكم الشديد للدنيا والشهوات والميول المغرية هي التي تدفعكم إلى رفع الموانع عن طريق ملذاتكم ، وبما أنّ المعاد والشريعة الإلهية توجد موانع وحدوداً كثيرة على هذا الطريق ، لذا تتمسكون بإنكار أصل الموضوع ، وتتركون الآخرة بتمامها.
وهاتان الآيتان تؤكّدان ما ورد في الآيات السابقة والتي قال فيها تعالى شأنه : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ). وقال أيضاً : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيمَةِ).
ثم ينتهي إلى تبيان أحوال المؤمنين الصالحين والكفار المسيئين في ذلك اليوم ، فيقول تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ).
«ناضرة : من مادة نضرة وتعني البهجة الخاصة التي يحصل عليها الإنسان عند وفور النعمة والرفاه ، ووفورها يلازم السرور والجمال والنورانية.
هذا من ناحية العطايا المادية ، وأمّا عن العطايا الروحية فيقول تعالى : (إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ). نظرة بعين القلب وعن طريق شهود الباطن ، نظرة تجذبهم إلى الذات الفريدة وإلى ذلك الكمال والجمال المطلقين ، وتهبهم اللذة الروحانية والحال الذي لا يوصف.
في صحيح مسلم عن صهيب عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : إذا دخل أهل الجنة ، الجنة قال الله تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربّهم عزوجل.
وفي النقطة المقابلة لهذه الجماعة المؤمنة ، هناك جماعة تكون وجوههم مقطبة. (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ).
فعندما ينظر الكافرون إلى علامات العذاب وصحائف أعمالهم الخالية من الحسنات والمملوءة بالسيئات ، يصيبهم الندم والحسرة والحزن ويعبسون وجوههم لذلك. (تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ).
إنّ هذا التعبير كناية للعقوبات الثقيلة والتي تنتظر هذه الجماعة في جهنم ، لكن إنّ الجماعة السابقة منتظرون لرحمة الله تعالى ومستعدون للقاء المحبوب. هؤلاء لهم أسوأ العذاب. وأولئك لهم أسمى النِعم الجسمانية والمواهب واللذات الروحانية.