رَوَاسِىَ شَامِخَاتٍ) (١).
هذه الجبال التي قاربت بارتفاعها السماء ، واتصلت اصولها بالبعض الآخر قد لزمت الأرض كالدرع من جهة لحفظها من الضغط الداخلي والضغوط الناتجة من الجزر والمد الخارجي ، ومن جهة اخرى تمنع اصطكاك الرياح مع الأرض حيث تمدّ قبضتها في الهواء لتحركه حول نفسها وكذلك تنظم حركة الأعاصير والرياح من جهة ثالثة ، ولهذا تكون الجبال باعثة على إستقرار أهل الأرض.
وفي آخر الآية إشارة إلى إحدى البركات الاخرى للجبال فيضيف تعالى : (وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا). ماءاً سائغاً وباعثاً للحياة ، لكم ولحيواناتكم ولبساتينكم.
فإنّ كثيراً من العيون والقنوات هي من الجبال ، ومصدر الأنهار العظيمة هو من الجليد المتراكم على قمم الجبال ، حيث تعتبر من الذخائر المائية المهمّة للإنسان.
ثم يقول في نهاية هذا القسم : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذّبِينَ).
اولئك الذين ينكرون كل هذه الآيات وعلامات قدرة الله التي يرونها بأعينهم ، وكذلك يشاهدون النعم الإلهية التي غرقوا فيها ، ثم ينكرون البعث ومحكمة القيامة التي هي مظهر العدل والحكمة الإلهية.
(انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (٣٠) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٠)
في هذه الآيات تبيان لمصير المكذبين بيوم القيامة ، والمنكرين لتلك المحكمة الإلهية العادلة ، تبيان يدخل الرعب والرهبة في قلب الإنسان ، ويوضح أبعاد الفاجعة. يقول تعالى : (انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذّبُونَ). انطلقوا إلى جهنم التي طالما كنتم تستهزئون بها ، توجهوا
__________________
(١) رواسي : جمع راسية ، وهي الثابتات ؛ وشامخات : جمع شامخ ، أي عال ، وتأتي بعض العبارات كالقول (شمخ بأنفه) كناية عن التكبر (مفردات الراغب).