يوم عقاب العاصين وثواب المتقين ، يشير بقوله : (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ).
«الحق : هو الأمر الثابت واقعاً ، والذي تحققه قطعي. وهذا المعنى ينطبق تماماً على يوم القيامة ، لأنّه سيعطى كل إنسان حقّه ، إرجاع حقوق المظلومين من الظالمين ، وتتكشف كل الحقائق التي كانت مخفية على الآخرين .. فإنّه بحق : يوم الحق ، وبكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وإذا ما التفت الإنسان إلى هذه الحقيقة (حقيقة يوم القيامة) فسيتحرك بدافع قوي نحو الله عزوجل للحصول على رضوانه سبحانه بإمتثال أوامره تعالى .. ولهذا يقول القرآن مباشرة : (فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبّهِ مَابًا).
فجميع مستلزمات التوجه والحركة نحو الله متوفرة بعد أن بيّن طريق الحق وأشار إلى معالم سبل الشيطان ، بلغ الله أوامره بواسطة الأنبياء والرسل وبالقدر الكافي ، أودع في الإنسان العقل (النبي الباطن) ، رغّب المتقين بالمفاز ، أنذر المجرمين عذاباً أليماً ، عيّن يوماً لمحكمة العدل الإلهي بيّن اسلوب المحاكمة ، ولم يبق للإنسان سوى اختيار ما يتخذه إلى ربّه مآباً ، وبمحض إرادته.
ثم يؤكّد القرآن على مسألة عقاب المجرمين الذين يتوهمون أنّه يوم بعيد أو نسيئة ، يقول القرآن ... إنّ عقاب المجرمين لواقع ، ويوم القيامة لقريب : (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا).
ويقول أمير المؤمنين عليهالسلام في الخطبة (١٠٣) نهج البلاغة : كل آت قريب دان.
ولِم لا يكون قريباً ما دام الأساس في العذاب الإلهي هو نفس أعمال الإنسان والتي هي معه على الدوام : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (١).
وبعد أن وجّه الإنذار للناس ، يشير القرآن إلى حسرة الظالمين والمذنبين في يوم القيامة ، حين لا ينفع ندم ولا حسرة ، إلّامن أتى الله بقلب سليم : (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِى كُنتُ تُرَابًا).
وأساساً فإنّ تجسّم الأعمال ومرافقتها للإنسان من أفضل المكافآت للمطيعين وأشدّ عقوبة للعاصين.
نعم ، فقد يصل الأمر بالإنسان ، وعلى الرغم من كونه أشرف المخلوقات ، لأنّ يتمنى أن يكون والجمادات بدرجة واحدة ، لما بدر منه من كفر وذنوب.
__________________
(١) سورة العنكبوت / ٥٤.