البلاد ـ على كثرتهم في تلك الحقبة الزمنية ـ ونودي في الناس بأمره ليشاهدوا مشهد إبطال المعجزة من قبل السحرة ، وليظهروا مثلها : (فَحَشَرَ فَنَادَى).
ولم يكتف فرعون بكذبه وعصيانه ، ومقاومته لدعوة الحق والوقوف أمامها ، بل وتعدى حدود المخلوق بصورة مفرطة جدّاً ، وافترى على الله وعلى نفسه بأقبح ادعاء ، حينما ادعى لنفسه الربوبية على شعبه وأمرهم بطاعته : (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى).
فادّعاءه بأنّه (الربّ الأعلى) قد سرى حكمه حتى على آلهته لتكون من عبيده! .. نعم ، فهكذا هو هذيان الطواغيت.
وعلى أيّة حال ، فقد حلّ بفرعون منتهى التكبر والطغيان ، فأخذه جبّار السماوات والأرض سبحانه أخذ عزيز مقتدر : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الْأَخِرَةِ وَالْأُولَى).
«النكال : لغةً : العجز والضعف. ويقال لمن يتخلف عن دفع ما استحق عليه (نكل).
و (النِكل) ـ على وزن فكر ـ القيد الشديد الذي يعجز معه الإنسان على عمل أيّ شيء.
ونكال : في الآية يقال للعذاب الإلهي الذي يؤدّي إلى عجز الإنسان ، ويُخيف الآخرين ، فيعجزهم عن ارتكاب الذنب.
«نكال الآخرة : عذاب جهنم الذي سينال فرعون وأصحابه ومَن سار على خطوه ؛ وعذاب الاولى : إشارة إلى إغراق فرعون وأصحابه في نهر النيل.
وتقديم نكال الآخرة على عذاب الدنيا ، لأهميته وشدّة بطشه.
وقيل : الاولى : تشير إلى كلمة فرعون الاولى في مسير طغيانه حين ادّعى (الالوهية) ، كما جاء في الآية (٣٨) من سورة القصص.
والآخرة : إشارة إلى آخر كلمة نطق بها فرعون حين ادّعى (الربوبية العليا) ، فعذّبه الله بالغرق في الحياة الدنيا نتيجة ادّعائيه الباطلين.
ويوافق هذا المعنى صيغة الفعل الماضي الواردة في الآية أخذ والذي يفهم منه تنفيذ كل العقاب في الدنيا ، وتعضده الآية التالية التي تَعِدّ العذاب عبرةً للآخرين.
ويستخلص القرآن نتيجة القصة : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى).
فتبيّن الآية إنّ وسائط سلك طريق الإعتبار مهيئة لمن سرى في قلبه الخوف والخشية من الله ، واعترته مشاعر الإحساس بالمسؤولية ، ومَن رأى العبرة بعين معتبرة اعتبر.