والأمران في واقعهما كالعلّة والمعلول ، فالطغيان وفساد العقيدة مفتاح فساد العمل وحبّ الدنيا المفرط ، ولا يجران إلّاإلى سوء عقبى الدار ، نار جهنم خالدين فيها أبداً.
ويأتي الدور في الآيتين التاليتين لوصف أهل الجنة : (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى).
فالشرط الأوّل للحصول على نعم الجنة والإستقرار بها هو الخوف من الله من خلال معرفته (معرفة الله والخوف من التمرد والعصيان على أوامره) ، والشرط الثاني هو ثمرة ونتيجة الشرط الأوّل أي الخوف والمعرفة ويتمثل في السيطرة على هوى النفس وكبح جماحها ، فهوى النفس من أقبح الأصنام المعبودة من دون الله.
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (٤٣) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) (٤٦)
تتعرض الآيات أعلاه لإجابة المشركين ومنكري المعاد حول سؤالهم الدائم عن وقت قيام الساعة (يوم القيامة) ، فتقول أوّلاً : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسهَا).
والقرآن في مقام الجواب يسعى إلى إفهامهم بأنّه لا أحد يعلم بوقت وقوع القيامة ، ويوجه الباري خطابه إلى حبيبه الأكرم صلىاللهعليهوآله ، بأنّك لا تعلم وقت وقوعها ، ويقول : (فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَيهَا).
فما خفي عليك (يا محمّد) ، فمن باب أولى أن يَخفى على الآخرين ، والعلم بوقت قيام القيامة من الغيب الذي اختصه الله لنفسه ، ولا سبيل لمعرفة ذلك سواه إطلاقاً.
وتقول الآية التالية : (إِلَى رَبّكَ مُنتَههَا).
ويؤكّد القرآن هذا المعنى في الآية (٣٤) من سورة لقمان : (إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ).
وفي الآية (١٨٧) من سورة الأعراف : (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبّى).
وتسهم الآية التالية في التوضيح : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشهَا).
إنّما تكليفك هو دعوة الناس إلى الدين الحق ، وإنذار من يأبى بعقاب اخروي أليم ، وما عليك تعيين وقت قيام الساعة.
وتأتي آخر آية من السورة لتبيّن أنّ ما تبقى من الوقت لحلول الوعد الحق ليس بالكثير : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحهَا).
|
نهاية تفسير سورة النّازعات |
* * *