التنزّه عن الهوى : وتتجه عدسة آيات القرآن الكريم لتعرض لنا جوانباً من صور عالم القيامة ، وتبدأ بتصوير تلك الداهية المذهلة التي تصيب مَن عبد أهواءه في الحياة الدنيا : (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى).
«الطامة : من الطم وهو في الأصل بمعنى ملء الفراغ والحفر ، ويطلق بالطامة على كل شيء بلغ حدّه الأعلى ، ولهذا فقد اطلقت على الحوادث المرّة والصعاب الكبار ، وهي في الآية تشير إلى يوم القيامة لما فيها من دواهي تغطي بهولها كل هول ، واتبعت ب الكبرى زيادة في التأكيد على أهمية وخطورة يوم القيامة.
ويضيف : حال حلول الحدث ... سيستيقظ الجميع من غفلتهم ، ويتذكروا ما زرعوا لحياتهم : (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسنُ مَا سَعَى).
وأنى للتذكر بعد فوات الأوان!
وإذا طلبوا الرجوع إلى الدنيا لإصلاح ما أفسدوا ويتداركوا الأمر ، فسيقرعون ب (كَلَّا).
وإذا ما اعتذروا تائبين ، فلا محيص عن ردّهم ، بعد أن أوصدت أبواب التوبة بأمر الجبّار الحكيم.
نعم ، وقد ازيلت الحجب عن قلبه وروحه ، سيرى الحقائق بعينها شاخصة أمامه ، ولا ينسى حينها ما اكتسبت يداه من أعمال.
وتتحرك الآية التالية لوصف ما سيقع : (وَبُرّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى).
فالجحيم موجودة ، كما تشير إلى ذلك الآية (٥٤) من سورة العنكبوت : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ). ولكن حجب الدنيا تمنعنا من رؤيتها ، وأمّا في يوم الفصل ، يوم البروز ، فسيبرز كل شيء ولا يستثنى من ذلك جهنم.
وفي الآيات الثلاثة التالية ، يشير القرآن إلى حال المجرمين والطغاة يوم القيامة : (فَأَمَّا مَن طَغَى * وَءَاثَرَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى).
والآية الاولى تشير إلى فساد عقائد الطغاة ، لأنّ الطغيان ينشأ من الغرور ، والغرور من نتائج عدم معرفة الباري جّل شأنه.
وبمعرفة عظمة وجلال الله يتصاغر الإنسان حتى يكاد لا يرى لنفسه أثراً ، وعندها سوف لن تزل قدمه عن جادة العبودية الحقة ، مادام سلوكه يصب في رافد معرفة الله.
والآية الثانية تشير إلى فسادهم العملي ، لأنّ الطغيان يوقع الإنسان في شراك اللذائذ الوقتية الفانية ذروة الطموح ومنتهى الأمل ، فينساق واهماً لأن يجعلها فوق كل شيء.