(وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى). أي في حين لو لم يسلك سبيل التقوى والإيمان ، فليس عليك شيء.
فوظيفتك البلاغ ، سواء آمن السامع أم لم يؤمن ، وليس لك أن تهمل الأعمى الذي يطلب الحق ، وإن كان هدفك أوسع ويشمل هداية كل اولئك الأغنياء المترفين أيضاً.
ويأتي العتاب مرّة اخرى تأكيداً : (وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى) ، في طلب الهداية ...
(وَهُوَ يَخْشَى). فخشيته من الله هي التي دفعته للوصول إليك ، كي يستمع إلى الحقائق ليزكّي نفسه فيها ، ويعمل على مقتضاها.
(فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى) (١).
فالعتاب سواء كان موجه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله أو إلى غيره ، فقد جاء ليكشف عن اهتمام الإسلام أو القرآن بطالبي الحق ، والمستضعفين منهم بالذات.
وعلى العكس من ذلك حدّة وصرامة موقف الإسلام والقرآن من الأثرياء المغرورين إلى درجة أنّ الله لا يرضى بإيذاء رجل مؤمن مستضعف لغرض هدايتهم.
(كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) (٢٣)
تأتي هذه الآيات المباركة لتشير إلى أهمية القرآن وطهارته وتأثيره في النفوس ، بعد أن تناولت الآيات التي سبقتها موضوع (الإعراض عن الأعمى الذي جاء لطلب الحق) ، فتقول : (كَلَّا). فلا ينبغي لك أن تعيد الكرّة ثانية.
(إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ). إنّما الآيات القرآنية تذكرة للعباد ، فلا ينبغي الإعراض عن المستضعفين من ذوي القلوب النقية الصافية والتوجه إلى المستكبرين ، اولئك الذين ملأ الغرور نفوسهم المريضة.
ويحتمل أيضاً ، كون الآيات (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) جواب لجميع التهم الموجهة ضد القرآن من قبل المشركين وأعداء الإسلام.
__________________
(١) التلهي : من اللهو ويأتي هنا بمعنى الغفلة عنه والإستغفال بغيره ، ليقف في قبال التصّدي.